إعجاز:

إعجاز:

إعجاز:

By المنهاج | 2:51 AM EET, Mon March 18, 2019

التثاقل والهدى ونيوتن Newton.

التثاقل والهدى ونيوتن Newton.

By المنهاج | 2:48 AM EET, Fri March 22, 2019
قال العزيز الحكيم جل شأنه:
* شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ * (البقرة: 185).
وقال:
* ذَلِكَ ٱلۡڪِتَـٰبُ لَا رَيۡبَ‌ۛ فِيهِ‌ۛ هُدً۬ى لِّلۡمُتَّقِينَ * (البقرة: 2).
وقال:
* إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ * (الإسراء: 9).
وقال:
* أوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ ۚ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ * (الأنعام: 157).
ثابت فى مواضع كثيرة أن القرآن الكريم فيه هدى للناس يهديهم لما هو أقوم فى أمور دنياهم ولآخرتهم سواء، إذا ما أستوعبوه وآمنوا بما جاء فيه، المسلمون فى المبتدى. ومن لم يقرأ القرآن ويقف على محتواه فقد امتنع منطقيا عن الهدى به. فى مواضع أخرى كثيرة ثابت أيضا أن الله يهدى من يشاء من عباده، هدى مباشرا مطلقا ليس خاص بمن قرأ القرآن أو الرسالات السماوية، آمن بأى منها أو لم يؤمن، ذلك هدى الله المباشر حتى لو كان الإنسان من الغافلين أو الضالين، منه قوله جلت حكمته وفيض فضله:
* قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * (البقرة: 142).
وقال فى المعنى:
* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * (يوسف: 3).
حتى الرسل والأنبياء هداهم الله بالوحى أو من دونه بعد أن كانوا فى غفلة أو ضلال. أنظر فى قوله لرسوله الكريم صلوات الله عليه وتسليمه:
* وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ۬ فَهَدَىٰ * (الضحى: 7).
وإن كان لا يهدى الفاسقين، قوله جلت قدرته:
* وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * ﴿المائدة: ١٠٨﴾. 
ولا يهدى الظالمين، قوله جل ذكره:
* إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * ﴿الأنعام: ١٤٤﴾.
ولا يهدى الكافرين، قوله تعالى فى محكم كتابه:
* إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * ﴿المائدة: ٦٧﴾.
على أنه يجب التنويه منعا للإلتياس أن ليس من كفر إلا بعد التبليغ والعلم، أهل الإعتقاد والكلام أهل لها، مفاد قوله تعالى:
* وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا * (الإسراء: 9).
وقد قال لرسوله الكريم صلوات الله عليه وتسليمه: "ووجدك ضالا فهدى" ولم يقل له: "ووجدك كافرا".
فإن أسلمت وتدبرت القرآن كنت على طريق الهدى إلى صراط مستقيم جنيته بجهدك وإجتهادك، بعقلك وفؤادك، وفى آن واحد كنت من قبل ذلك ومن بعده على طريق الهدى المباشر من الله تعالى موقوف على مشيئته وفضله، والله يعلم مشتمل رسالته من أسباب، لم وكيف وأين ومتى؟ أى أن إسلامك يعطيك الفرصة للهدى مرتين: مباشر وغير مباشر، الأخير من طريق الرسالة السماوية، مفاد قوله تعالى:
* لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ ۚ  * (الأنعام: 157).
"أهدى" مقارنة بين حالتين من الهدى، الذى أنزل عليه الكتاب هداه أكثر ممن لم يصبه، وأن من لم يصبه على هدى أيضا إنما الأقل.
فى الآيه الكريمة عن رمضان يقول العزيز الحكيم:
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ * (البقرة: 185).
نظرنا أن هناك فارق بين الهدى الأول الذى هو بالقرآن والهدى الثانى من الله تعالى المباشر دليله البينات. "بينة" فى اللغة هى الحجة والدليل والبرهان القاطع، وفى القضاء الشهادة الفارقة. منه أن القرآن الكريم يحتوى عى دلائل قاطعة على أن الله يهدى من يشاء من عباده بإطلاق، آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله أو لم يؤمن.هنا سؤال الموضوع: هل هدى الله عالم الميكانيكا الفذ "نيوتن" (صاحب التفاحة) إلى قوانين الجاذبية الأرضية كدليل على هدى الله المباشر، وقد كان مؤمنا بالله واحد أحد لا شريك له نابذا للتثليث فى المسيحية؟ لقد أشار إليها جل ذكره فى القرآن بقوله:
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ *  (التوبة: 38).
بما يعنى ان الله سبحانه وتعالى الخالق البارئ المصور يهدى من يشاء من عباده، الراسخين فى العلم بالأولى، لإثبات إعجازه فى الكون وتسديد البينات الدالة عليه خالق الكون. تضعيف الفعل يعتبر من المجاز (كتابى "البرهان" و"الإتقان" فى علوم القرآن، سبق) والذى يلزم له التأويل، فإثاقلتم تضعيف تثاقلتم، ليس الفعل من المحكم. والمعنى فى قوله تعالى: "اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ" لا يستقيم عقليا إلا بهذا التأويل، أن الأرض تجذبهم بثقلهم.
      تعجب أنه فى علم الميكانيكا تسمى الجاذبية الأرضية ب"التثاقل"، وما من ميكانيكا إلا بهذا التثاقل لذا أعتبر "نيوتن" أبا للميكانيكا.  ولا نبالغ إن قلنا أنه ما من تقدم علمى وتكنولوجي بدون الجاذبية، بل نلمس الحقيفة العلمية بأنه لا حياة على الأرض بدون الجاذبية الأرضية، تضاف كحتميات ثابته للبقاء مع الماء والهواء. فكيف لا يحتوى الذكر الحكيم على بينات لها وهى من أهم إعجازات الله وسننه جلت قدرته فى الكون والحياة؟ لأن الماء من سننه تعالى فى الكون والحياة باللزوم ضمنها آياته المعجزات وقال جلت حكمته:
* أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * (الأنبياء: 30)
آية الماء محكمة نحويا لأن الدليل لا يحتاج إلى علم متأخر، أقر به العلماء من قبل الرسالة، وإن كانت تحتمل التأويل بدليل طبيعى، لأن الأحياء ليست مصنوعة كلية من الماء وحده، إنما يوجد الماء فى كلها، وكان التأويل: "وجعلنا الماء فى كل شئ حى" لازم الحياة. فإن كانت الجاذبية الأرضية من لازمات الحياة مثل الماء، لا مناص فقد ضمنها جل ذكره آياته المعجزات إنما المتشابهات نحوا وبلاغة، لأن الدليل من المتأخر فى العلم الطبيعى. مثل ذلك مع الهواء الذى جاء دليله متشابها لإحتياجه إلى دليل التأويل من المتأخر من العلم، قوله أحكم الحاكمين:
*  فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّـهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ* (الأنعام: 125)
إضافة إلى التشبيه بالكاف فمتشابه بلاغى، فإن قوله: "يَصَّعَّدُ" من التضعيف فى الفعل فالمجاز النحوى والمتشابه، لا يثبت دليله إلا فى عصر الفضاء. هو دليل على المقلة الفضائية، طائرة كانت أو سفينة فضاء، لأنه ليس "صعودا" بذاته إنما بأداة أخرى تصعد به، ومن هنا التضعيف فى الفعل. وقوله: "صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا" أنه على شفا حفرة من الموت، فى الوضع الحرج، لتناقص الأكسيجين كلما إرتفع فى الطبقات العليا من الغلاف الجوى، فكان لزومه للحياة مثل الماء والجاذبية الأرضية، وكان من الإعجاز العلمى فى القرآن. وكل لازم للحياة وثوابت الكون له دليل فى الذكر الحكيم يبرهن على وحدانية الخالق. مثل الماء والهواء والجاذبية ضياء الشمس، فقال الخلاق العليم:
*  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * (القصص: 71)
التساؤل إثبات على لازم الحياة، لأن الليل سرمدا بدون ضياء الشمس يعنى الفناء لما على الأرض من أحياء، حقيقة علمية ثابتة. الفناء مدلول قوله: "إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، لأنه بلا ضياء فليس من إمتداد كثير فى الزمن بحرف الجر "إلى"،  وكان المتشابه فى الآية الكريمة.
      فى هذه الأدلة والبراهين تبيان لمفهوم خاتمية الرسالة وإحتوائها على المتشابه، أن بها دلالة الوحدانية والنبوة والخلق ممتده لما بعد الوحى، لازمها دلالة علمية متأخرة غير متاحة للرعيل الأول من العلماء. والله أعلم.
      الإشارة القرآنية لها مفادان، مفاد الجاذبية الأرضية كقوة مؤثرة على حركة الأشياء والكون برمته، وإشارة إلى علم الميكانيكا كما أوردنا من قبل، أن الإشارة لعلم من العلوم فى الذكر الحكيم تكون بالعامل الذى لا يستقيم العلم إلا به، هنا أيضا التثاقل هو أساس الميكانيكا وليس من ميكانيكا إلا بالتثاقل إلى الأرض. حتى أنك تشترى وتبيع بالميزان وفيه عنصر التثاقل لإحقاق الحق فى الأداء.
      هنا لا شك هدى من الله مباشرة، البينة التى وردت فى آية رمضان الكريمة. لكن هناك متعلق آخر، فالإمام الرازى صاحب تفسير "مفاتيح الغيب" كان ميكانيكيا من قبل نيوتن (الصورة أسفل)، فهل هدى الله الرازى من الطريقين المباشر وغير المباشر؟ لم لا؟ فهذا هو الفيض من فضله تعالى على من يشاء من عباده، الراسخين فى العلم على وجه الخصوص. وهنا أيضا دليل آخر على أن الإسلام أمد النهضة الأوروبية بالخرسانة المسلحة للعلم، فيها الهدى من النوعين. والله أعلم.
قال الخلاق العليم:
* وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * ﴿المائدة: ٤٦﴾
وقال جلت حكمته الهادى إلى سواء الصراط:
* لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا * ﴿النساء: ١٦٢﴾
وقد كان نيوتن مؤمنا بوحدانية الله على النصرانية فى أصولها مع الحواريين، ناقدا صلبا للتحريف فيها ونابذا للتثليث، راسخا فى العلم، فكان الهدى المباشر جزاءا وفاقا وأجرا عظيما. والله أعلم، منه التوفيق والهدى والرشاد، جل فضله.
السير إسحق نيوتن Newton
مسك الختام قول الملك القدوس السلام:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
صدق الله العظيم
-----------------------------
الإنشاء : [Minhageat.com]
 

 

تعليقات موضوعية:

رسالة الطير فى الفاتيكان / 4 / الطير المسلمة تقصف المشركين والنسخ.

رسالة الطير فى الفاتيكان / 4 / الطير المسلمة تقصف المشركين والنسخ.

By المنهاج | 3:28 PM EET, Sat December 13, 2025
      نأتى للإعجاز بين أيدينا ومثال ساطع لا برهان له إلا أن تكون رسالة إلهية. فى سورة الفيل، والتى تحكى قصة أصحاب الفيل النصارى وزعيمهم "أبرهة"، حينما أرادوا هدم الكعبة المشرفة، فأرسل الله عليهم الطير بالحجارة تصدهم عن مأربهم وكيدهم، يقول العلى القدير:
* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ *
      تأمل حال الطير فى هذه القصة التى تشبه حال الهدهد مع سليمان عليه السلام. قلنا فى الجزء الثانى أن الهدهد قام بفعل وبدور طاعة لأمر الله، تمثل الفعل فى قوله تعالى: "فَمَكَثَ" و "وَجِئْتُكَ". هنا أيضا حال الطير فاعل، قام بفعل وبدور طاعة لأمر الله فى قوله :"وَأَرْسَلَ". تمثل الفعل والدور فى قوله: "تَرْمِيهِم"، عن قصد وإصرار من باب الطاعة، ثنائية الإختيار والجبر كما ذكر هناك. وكما ذكر أيضا أن الطير حباه الله بهذا الدور إصطفاءا من بين جميع الحيوان، يحمل أمرا إلهيا لتنفيذه فى وقت معلوم.
      وتأمل دليل المتشابه فى الآية الكريمة، النص فيما نرى محكما إلى أن قال: "مِّن سِجِّيلٍ"، و"كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ". المجاز واضح فى كليهما، فالحجارة لا تصنع ولا تأتى من "سجيل" الذى هو العذاب، دليل طبيعى. مثله "كَعَصْفٍ"، التشبيه فيها مزدوج، الأول كاف التشبيه من الإعجاز العلمى كما سبق، ولا يحضرنا دليله على وجه يقينى، أقرب إحتمالات المرجوح صناعة القنابل الذرية / النووية. التفجير يحدث عن طريق القذف بأنوية الذرات أو النيوترونات، معروف بأن فيها يتمركز ثقل الذرة، فى محل قوله: "تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ ". التدمير الرهيب الذى تحدثه القنبلة فى محل قوله: "كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ". أصحاب الصنعة لهم القول الفصل. والله أعلم.
الصورة توضح القاذف النووى (Gun + Bullet)،اللازم لتفجير القنبلة النووية.
Gun assembly: one piece of fissile uranium is fired at a fissile uranium target at the end of the weapon, similar to firing a bullet down a gun barrel, achieving critical mass when combined. Implosion: a fissile mass of either material (U-235, Pu-239, or a combination) is surrounded by high explosives that compress the mass, resulting in criticality. The implosion method can use either uranium or plutonium as fuel.>
المصدر: Wikipidia
-----------------------

      دليل المتشابه الثانى المجاز فى تشبيه الكفار بعد الرمى بالحجارة بأنهم أصبحوا عصفا، غير جائز فى اللغة - على قدر علمنا - ولا فى الطبيعة، إنما الأرجح فى التأويل أنهم أصبحوا كالمأكول الذى تعصف به الرياح، ما قال به المفسرون كما سنرى. فثبت المتشابه من عدة وجوه، ولزمه التأويل.

      الطير الأبابيل جاءت فى جماعات وأفواج من جهات شتى ومن نوعيات مختلفة ترمى الكفار بالحجارة، كأنها جيش منظم على هدف واحد فى وقت محدد لا تخظؤه. من أقوال المفسرين:
الطبرى:
< حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: {طَيْراً أبابِيلَ} قال: يتبع بعضُها بعضاً. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {أبابِيلَ} قال: هي شتى متتابعة مجتمعة.>
الشوكانى:
< {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} أي: أقاطيع يتبع بعضها بعضاً كالإبل المؤبلة. قال أبو عبيدة: {أبابيل} جماعات في تفرقة، يقال جاءت الخيل أبابيل، أي: جماعات من هٰهنا وهٰهنا. قال النحاس: وحقيقته أنها جماعات عظام، يقال فلان، توبل على فلان أي: تعظم عليه، وتكبر، وهو مشتق من الإبل، وهو من الجمع الذي لا واحد له.>
الرازى:
< السؤال الثاني: ما الأبابيل؟ الجواب: أما أهل اللغة قال أبو عبيدة: أبابيل جماعة في تفرقة، يقال: جاءت الخيل أبابيل أبابيل من ههنا وههنا،........ وفي أمثالهم: ضغث على إبالة، وهي الحزمة الكبيرة سميت الجماعة من الطير في نظامها بالإبالة. >
الزمخشرى:
فى تأويل قوله: "سِجِّيلٍ"، أى ما يؤؤل إليه فعل رمى الحجارة: كأنه قيل: بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن، واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال؛ لأنّ العذاب موصوف بذلك، وأرسل عليهم طيراً.>
      قيل أيضا فى "السجيل" أنه إسم واد فى جهنم. كأنه قيل كتب عليهم عذاب نار جهنم. يؤكد ما توصلنا إليه من قبل فى الجزء السابق من تأويل قوله جلت حكمته:
* قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ *  (الأنعام: 65)
مرجعيته المحكمة كما ذكر قوله تعالى:
* فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا *
فى قوله: "يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ" غائب محذوف تقديره أداة العذاب، سبق. مصداقها مع الطير الأبابيل قوله: "سِجِّيلٍ". فثبتت صحة طريقة التأويل التى نتبعها فى المنهاج تنبنى أوليا على الإستقراء التام (تعبير الإمام الشاطبى). الثلاث آيات تفسر بعضها بعضا. وهو دليل ثان على عظم شبكة المعانى فى المتشابه من الذكر الحكيم التى سبق التدليل عليها وقوله تعالى: "قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا..." الآية. والله هو الهادى إلى سواء السبيل، هو الأعلم.
الرازى: عن تأويل "العصف المأكول"، ما آل إليه حال أهل الفيل بعد أن بادرهم الطير بالحجارة:
< المسألة الأولى: ذكروا في تفسير العصف وجوهاً ذكرناها في قوله:
{ وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ [الرحمن:12]
وذكروا ههنا وجوهاً: أحدها: أنه ورق الزرع الذي يبقى في الأرض بعد الحصاد وتعصفه الرياح فتأكله المواشي. وثانيها: قال أبو مسلم: العصف التبن لقوله:
{ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } [الرحمن:12]
لأنه تعصف به الريح عند الذر فتفرقه عن الحب، وهو إذا كان مأكولاً فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه، وثالثها: قال الفراء: هو أطراف الزرع قبل أن يدرك السنبل. ورابعها: هو الحب الذي أكل لبه وبقي قشره.
المسألة الثانية: ذكروا في تفسير المأكول وجوهاً أحدها: أنه الذي أكل، وعلى هذا الوجه ففيه احتمالان، أحدهما: أن يكون المعنى كزرع وتبن قد أكلته الدواب، ثم ألقته روثاً، ثم يجف وتتفرق أجزاؤه، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، إلا أن العبارة عنه جاءت على ما عليه آداب القرآن. >
      فى القصة طير فى جماعات متتالية، جاءت من هنا وهناك بلا تدبر بينها بالطبع إلا تدبير العلى القدير، تستهدف هدفا واحدا. الأعجب أنها مع تفرق المنبع، والنوع فى الغالب، كانت متسلحة بنفس السلاح، الحجارة، كأنها جيش منظم يهاجم بتكتيك وبخطة محكمة، لا يسيره إلا خالق الكون ومدبره. فى حالة طير الفاتيكان، جاء الطير من مكانين مختلفين ومن نوعين مختلفين على هدف واحد، ما لم يذكر فى قصة أصحاب الفيل، هل كانت الطير من  نوع واحد أم لا؟ لكن الرازى شدد على النكرة فى "طيرا"، ما يحتمل أن تكون من أنواع مختلفة مثل الغراب والنورس فى حالة الفاتيكان.
      السورة الكريمة بتفسيرها وتأويلها وجنود الله الطير والكعبة المشرفة، فيها ما يجعلنا نشبه الطير الغاضبة والبابا والفاتيكان بقصة الطير وأصحاب الفيل. تلك آية من آيات الله فى الإعجاز، وهذه آية مثلها تحمل رسالة لبنى البشر. فى ذلك مسألتان، الأولى خاتمية الرسالة المحمدية، أنها خاتمة لأنها جاءت كما قلنا من قبل وكما هو معروف عند الأصوليين، جاءت بكليات الشريعة قابلة للتطبيق فى كل زمان ومكان وإن إختلفت الفروع. وهى خاتمة لأن بها المتشابهات التى تجمع أنباء الغيب إلى يوم البعث. وهى خاتمة لأن بها مضرب الأمثال التى تغطى حياة الناس منذ الأزل وإلى يوم يبعثون. وهى خاتمة لأن فيها آيات من الإعجاز التى لا يفوتها ذرة فى السماوات ولا فى الأرض تفصيلا، تدلل على الخالق البارئ المصور ووحدانيته فى كل زمان، مهما كان الناس معاجزين بالعلم على مر العصور. وهى خاتمة بمجمل أبواب المنهاج ومثانيه التى لها صفة الكليات كما فى الشرعة، لا تضاهيها كليات فى الوجود. وهى خاتمة لأن الله أمرنا بحفظها وصونها من التحريف. وهى خاتمة نصا لأنها نزلت على خاتم الأنبياء، ولم ترد إشارة لنبى بعده مثلما جاء فى الرسالتين السابقتين، إلا الراسخين فى العلم الذين يحملون عبئ تأويله بعد هداه جل فضله، ضمن الطائفة التى خصها الله بالتفقه فى الدين. قوله الحكيم العليم:
*  مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * (الأحزاب: 40)
وقوله:
* وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗوَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ * (آل عمران: 7)
وقوله:
* وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ * (التوبة: 122)
المسألة الثانية، الآيات المعجزات التى أيد الله بها رسله وأنبيائه، عليهم الصلاة والسلام، لا تعنى إنقطاعها مع الزمان لقوله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا..." الآية. وعندما تأتى آياته جلت قدرته حتى بعد إنقطاع الوحى، فهى برهان على وحدانيته، وبرهان على صدق الرسالات السماوية جاءت بالحق، وبرهان على بعثة رسل الله وأنبائه، خاصة محمد، عليه الصلاة والسلام، الذى نزلت عليه خاتمة الرسالات السماوية. كان يكفينا هذا الدليل للتدليل على الإستمرارية، لكنه تعالى شأنه أكد عليها فى مواضع آخرى تهمنا فى هذا المقام. قال العليم الحكيم:
* إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ * ﴿الشعراء: ٤)
المشيئة الإلهية مطلقة فى الزمان والمكان، الآيات البينات المعجزات بلا قيود، منذ الأزل وإلى الأبد، مناطها المناسبة كأسباب التنزيل بمشيئته جلت قدرته.
وقال:
* مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ﴿البقرة: ١٠٦﴾
وقال:
* وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * ﴿الزخرف: ٤٨﴾
تناول المفسرون والفقهاء وأصحاب الأصول معنى "آية" على أنها آية نصية أو نقلية، أو التلاوة فى المشهور، لكنا هنا نحملها على معنى آية من المعجزات. لا يكون هذا المعنى مستقيما مع هذا الإختلاف بيننا وبينهم إلا من طريق المتشابه. معظم من تناول النسخ كان يقول فى الشرعة والعقيدة، وإن كان النسخ متعلقا بالحكم أو بالتلاوة أو كليهما معا، ومازالوا مختلفين عليه، حتى أنهم إختلفوا على النسخ أصلا. نحن لا نقول بنسخ فى المتشابه، لأن التكرار مطلوب كدليل تأويل فى المنهاج، سبق. ونتفق مع الرازى فى معرض تفسيره للآية أن الدليل العقلى الذى يستلزمه التأويل لا يسوغ أن ينبنى عليه نسخ، وهنا فى المتشابه يلزم التأويل من ثم لا نسخ على هذا الوجه أيضا.
       إن كان من متشابه فى الآية جاز حمل المعنى على الوجهين، أما إن كان محكما فليس من وجه إلا واحد. دليل المتشابه فى عمومه هو المجاز والتشبيه بأدواته المختلفة. فى الآية الكريمة مجاز فى قوله "نُنسِهَا"، وتشبيه فى قوله: "مِثْلِهَا". الأخير واضح لا شبهة فيه، الأول بنوعية الخطاب، فإن كانت بمعنى أن الله يأمر بنسيانها أو يتسبب فى نسيانها فهو باطل، فلا يكون النسيان إلا من الشيطان، لقوله تعالى:
* قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * ﴿الكهف: ٦٣﴾
محكمه قول الحكيم العليم:
* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى * (طه: 52) 
الله تعالى لا ينسى ولا يأمر بالنسيان، متفق عليه فى الصفات بين المتكلمين من أهل السنة والجماعة. فثبت المتشابه، وجاز حمل المعنى على أنها آية من آيات الإعجاز.
      كيف يكون النسخ فى آيات الإعجاز؟ لأول وهلة وظاهر القول أن ما حدث منها قد حدث ولا سبيل للنسخ، إلا الأثر أو الحكم إن كان. قال الطبرى فى تفسيره للآية:
< يعنـي جل ثناؤه بقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} إلـى غيره، فنبدله ونغيره. وذلك أن يحوّل الـحلال حراماً والـحرام حلالاً، والـمبـاح مـحظوراً والـمـحظور مبـاحاً ولا يكون ذلك إلا فـي الأمر والنهي والـحظر والإطلاق والـمنع والإبـاحة، فأما الأخبـار فلا يكون فـيها ناسخ ولا منسوخ.>
هذا بديهى، متفق عليه. فآيات الإعجاز ما وقع منها هى فى عداد أنباء الغيب، خبر الماضى والمستقبل. النسخ فى المعجزات يأتى من طريق الإقتران بين النسخ والنسيان، نسيان أنها فى قديم الزمان ولم يعد لأثرها تأثير فيما بين أيدينا، الحاضر، أو زمان غير زمنها. فآية الإعجاز فى الطير الأبابيل خبر لا سبيل لنسخه، أو تكذيبه، أورفعه، أو محوه، إنما الأثر والتأثير هو الذى يقصد به النسخ، وتبقى الموعظة والحكمة منها مصونة ومحفوظة فى الذكر الحكيم. حتى فى هذه ربما لم تعد بالنفاذية المطلوبة فى هذا العصر أو فى غصر بعده. لقد أيد الله رسوله موسى عليه السلام بآية السحر، التى لم تعد تجدى لإثبات النبوة مع عيسى عليه السلام، فأيده بأخرى أخير وأكبر منها هى إحياء الموتى، ثم نسخت هاتين وجئ بالإسراء والمعراج مع محمد عليه الصلاة والسلام، أخير وأكبر من السحر ومن إحياء الموتى، لأنه مثال على يوم البعث حيث إجتمع بمن قبله من الرسل وصلى بهم ثابت فى كتب الأحاديث، قوله تعالى:
* سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ* ﴿الإسراء: ١﴾
ستجد هذا الإطراد فى معجزات النبوة مع كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ما يستدل عليه من الذكر الحكيم، المعنى الأصيل للنسخ فى الآية الكريمة. والله أعلم.
      من العلماء مثل الرازى من قال بأن ما يعتقد بأنه نسخ هو من قبيل التخصيص أو تقييد للمطلق. ذكر فى تفسيره أن أبا مسلم أجرى النسخ على أنه بين الشرائع لا فى ذات الآيات القرآنية، بين التوراة والإنجيل والقرآن. نسخ ما جاء من شرعة فى التوراة بما جاء منها فى الإنجيل، وما جاء فى القرآن نسخ به ما جاء فى الرسالتين السابقتين، مثل الصوم جاء فيه ما هو أخير من السابق، نفس المفهوم الزمنى عندنا، مع الفارق أنهم يقصدون الشرعة أو الإعتقاد ونحن نقصد المعجزات كباب من أبواب المنهاج. من جانبنا نتفق مع الذين قالوا بعدم النسخ إطلاقا فى الذكر الحكيم، وما يتوهم من نسخ إما أنه من المتشابه فالزيغ فى القلوب، وإما أنه محكم من قبيل التخصيص فى الشرعة كما قال الرازى. الإمام الشاطبى، رحمه الله، فى كتابه "الموافقات" (الجزء الثالث، المسألة الثالثة) بين أن لا نسخ بإطلاق من عدة وجوه مثل إطلاق الناسخ على مقيد المطلق:
< وهذا المعنى جار في تقييد المطلق فإن المطلق متروك الظاهر مع مقيده فلا إعمال له في إطلاقه بل المعمل هو المقيد. فكأن المطلق لم يفد مع مقيدة شيئا فصار مثل الناسخ والمنسوخ، وكذلك العام مع الخاص إذ كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم لجميع ما يتناوله اللفظ فلما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار فأشبه الناسخ المنسوخ. إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة وإنما أهمل منه ما دل عليه الخاص وبقي السائر على الحكم الأول، والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق. فلما كان كذلك استسهل إطلاق لفظ النسخ في جملة هذه المعاني لرجوعها إلى شيء واحد.>
      ذكرنا من قبل أن الشاطبى من المفردين الذين أجروا الشرع على المثانى، فكان من الراسخين. بينما ينسخ الأخرون العام بالمخصص، فهو لا يقول بالنسخ لأن العام مطلوبه مطلوب الخاص "لرجوعها إلى شيء واحد"، ثنائية من مثانى المنهاج، لنا فيها أن الخاص ناتج من العام ولا يستقيم إلا به، بل هو مرجعيته مع أن المعمول به هو الخاص، ويبقى العام حكمه كليا من منظور خاتمية الرسالة، لا ينسخ تلاوة ولا حكما. ينضوى ذلك فى المساحة المشتركة بين الشرعة والمنهاج، سبق. يختتم مقالته بالتبين:
<وقيل في قوله {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} منسوخ بقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية، وهذا من باب تخصيص العموم لا من باب النسخ. وفي قوله {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} إنه منسوخ بقوله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}، وكذلك قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} منسوخ بها أيضا، وهو إطلاق النسخ في الأخبار وهو غير جائز. قال مكي وأيضا فإن هذا لو نسخ لوجب زوال حكم دخول المعبودين من دون الله كلهم النار، لأن النسخ إزالة الحكم الأول وحلول الثاني محله ولا يجوز زوال الحكم الأول في هذا بكليته إنما زال بعضه فهو تخصيص وبيان. وفي قوله {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الآية، إنه منسوخ بقوله {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}، وإنما هو بيان لشرط نكاح الإماء المؤمنات. والأمثلة هنا كثيرة توضح لك أن مقصود المتقدمين بإطلاق لفظ النسخ بيان ما في تلقي الأحكام من مجرد ظاهره أشكال وإيهام لمعنى غير مقصود للشارع، فهو أعم من إطلاق الأصوليين فليفهم هذا وبالله التوفيق.>
      يقول الشاطبى كما قال القرطبى بأن لانسخ فى الأخبار. فى أمثلته هذه يتعرض للعقيديات وصفات الله، فلا يقتصر النسخ فيما نظروه على الشرعة وحدها. وكم من متشابهات فى العقيديات غلط فيها المتكلمون ليس مقامها. فى موضع آخر من كتابه غلب الشاطبى مفهوم الناسخ والمنسوخ فى عمومه كما أطلقه المتقدمون على أن الناسخ محكم والمنسوخ متشابها، فى مقامنا لا يستقيم ومقاصد التنزيل، حيث المنهاج فى عامته يقطن المتشابه. من هنا اللبس فى مفهوم النسخ، ومن هنا ندرك ألا نسخ فى التلاوة أو النص، وأن معنى "آية" هو المعجزة وليس النص. تلك هى إحدى روافد طمس معالم المنهاج فى الفكر الإسلامى.
      مثال لما يقولون فيه بالنسخ وهو من المتشابه: المنسوخ  قوله تعالى:
* يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * (المزمل: 1- 3). 
الناسخ  قوله تعالى:
 * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ * (المزمل:20). 
قلنا فى موضع آخر أن الآيتين من المتشابهات، بأدلة مجازية أحدها فى الأولى التنقيص والتزييد فى التكليف، فيه تعارض لا يستقيم فى الأصول. الثانى فى الثانية أن الدلالة المكانية على الزمان لا تستقيم عقلا ولا طبيعيا، قوله: "تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْل"، يلزمها التأويل.
  فى نظرنا لا ينبنى نسخ فى القرآن على تأويل، ومازالت القضية محل خلاف. الصحيح فيها عندنا أن كلمة "آية" مقصود بها المعجزة لا النص أو التلاوة، لأنه إذا كان من الثابت نصا أن هناك نسخ ولم يجمع العلماء على أنه نسخ فى التلاوة، بل إختلفوا عليه، بل الأصوليون لا يقولون به، كان معنى "آية" هو المعجزة وكان النسخ فى الإعجاز بداهة، وبمعنى الإحلال والتبديل، حاصل، مشهود ومثبت، فى إتفاق مع الإمام أبى مسلم الأصفهانى، رحمه الله، فى المفهوم الزمنى ومقصده الشرعيات.
 مقالتنا أن الطير فى الفاتيكان جاءت كآية معجزة مثل التى نسيت ونسخ أثرها، حتى أن برهانها كدليل على فسق أو كفر أو كذب الفاتيكان لا يسوغه عقل. فكانت الطير فى الفاتيكان إثبات للآية المعجزة المنسية فى الطير الأبابيل من جانب، ومن جانب آخر جاءت لتواجه الضلال الذى إستفحله الفاتيكان والكنسية الكاثوليكية فى هذا العصر، مكرهم السئ فى حربهم على الإسلام بإسم الإسلام مثلما كان أبرهة وأصحاب الفيل.
آية البقرة تدلل على إحتمال التماثل والتشابه بين آيات الله المعجزات، وإحتمال التكرار، وآية الزخرف أيضا تدلل على التماثل فى قوله: "أُخْتِهَا"، بل الإضطراد فى الإعجاز. ما يعنى التماثل بين آية أصحاب الفيل وآية الفاتيكان كبرهان على صدق النص الإلهى فى الرسالة الخاتمة، أنه حق وأنه من عند الله، واحد أحد، لا شريك له فى الخلق ولا ولد. هناك تماثل بينهما فى الزمان، أنهما خارج زمن الوحى، أصحاب الفيل قبله، والفاتيكان بعده. وهناك تماثل فى القوم، أن الطير فى كلتا الحالتين أرسلت على قوم من المسيحيين. عندما نذكر النصرانية والنصارى نعنى بهم من آمن بالله، واحد أحد لا شريك له فى الخلق ولا ولد، وهو اللفظ الوارد فى الذكر الحكيم، أما المسيحية والمسيحيين أو الأقباط فنعنى بهم المؤمنون بالنصرانية المحرفة بالتثليث، مسمى لم يرد له ذكر فى القرآن.
هجوم الطير على حمائم السلام فى الفاتيكان حدث مرتين، الأولى مع البابا السابق بينيدكت وكان نورسا فقط، والثانية ما نحن بصددها مع البابا الحالى فرانسيس، فيها نورس وغراب. فكانت الأخيرة أكبر من الأولى، برهانا على أن القرآن حق من عند الله، وتدليل على صدق ما جاء به، قوله: "أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا" ودليل مشهود على أن المقصود بكلمة "آية" هو المعجزة لا النص. هل آية الفاتيكان أكبر من آية أصحاب الفيل؟ إجابتنا بإذنه تعالى  هى نعم من عدة وجوه وبالرغم من قلة العدد. أحدها أن فى الفاتيكان كان هناك مواجهة بين الطير لم تكن مع أصحاب الفيل. ثانيها أن الطير مع أصحاب الفيل كانت ترمى بالحجارة، "فعل" أقل صعوبة وتركيبا من مطاردة الطير للطير، حرب مخصوصة. الطير مع أصحاب الفيل كانت على قسم واحد، على قلب رجل واحد، أما فى الفاتيكان فقد إنقسمت إلى فريقين، فريق يرمز إلى الضلال وفريق يرمز إلى الحق، وكأن بها حرب بين الضلال والحق، الوازع الرئيسى فى الإهتمام العالمى. وعليه يمكننا القول بأن آية الطير فى الفاتيكان جاءت بالتأويل الحق لآية النسخ فى القرآن. هناك وجوه أخرى، منها ما تنبنى على المسببات، فيما يلى من إجتهادات بإذن الرحمن الرحيم. والله أعلم.
      يقول الإمام إبن كثير، رحمه الله، فى تفسيره عن قصة أصحاب الفيل:
< هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد، على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه، ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء.>
      تفاصيل قصة أصحاب الفيل ومحاولة أبرهة هدم الكعبة تجدها فى كتابه التاريخى "البداية والنهاية". وهى مثال من ضرب الأمثال فى قصة تذكرنا بإحتلال الإرهابيين للكعبة فى عام 1979م، أول عمل إرهابى كبير ضد الإسلام بإسم الإسلام وتحت رايته. فهل كان الفاتيكان وراء هذا العمل الإرهابى، ومن ثم كل الأعمال الإرهابية ضد الإسلام؟ الإجابة فيما تشير إليه الطير الغاضبة فى هجومها على حمامتى السلام اللتين أطلقهما الأطفال مع بابا الفاتيكان. الإجابة ليست من عندنا إنما من عند القادر الحكيم جل ذكره.
      الخلاصة فى النسخ أن معنى "آية" هو المعجزة لا التلاوة، وأن المقصود به فى قوله تعالى: "مَا نَنسَخْ" هو الإحلال والتبديل، كما هو الحال بين السحر وإحياء الموتى ومعجزة الإسراء والمعراج، وفيه قوله: "بِخَيْرٍ مِّنْهَا"، الإطراد. أما المقصود به فى قوله: "أَوْ نُنسِهَا" هو الإتيان بالمثل فى قوله: "أَوْ مِثْلِهَا". حرف "أَوْ" مشترك بين النسيان والمثل كرابط تأويل. فيها سبر وتقسيم لغوى: "خَيْرٍ" راجعة إلى " نَنسَخْ"، و"مِثْلِهَا" راجعة إلى "نُنسِهَا". مثل قوله تعالى:
* جَعَلَ لَكُمُ الليل والنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ * (القصص: 73).
"لِتَسْكُنُواْ" عائدة إلى "الليل"، و"لِتَبتَغُواْ" إلى "النَّهَارَ".
يكون المثل أكبر مقصود قوله: " أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا"، كما هو الحال بين طير أصحاب الفيل وطير الفاتيكان فى الحالتين. منه التأكيد على أن آية الطير فى الفاتيكان هى تأويل آية النسخ فى القرآن. والله أعلم.
      آيات الله فى الكون وإعجازاته ليست من البساطة والجزئية، نستغفره ونتوب إليه، بحيث أنها تقصد شخصا بعينه أو حادثة بعينها إلا كجزء من الإعجاز وأداة من أدواته. فالطير فى قصة أصحاب الفيل قصدت أبرهة وجماعته فى عزمهم على تدمير الكعبة بيت الله الحرام، وكانت المعجزة بالطير دليل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى أن يرسل جنوده عقابا وفاقا لمن تسول له نفسه المساس بالدين وبعقيدة الإسلام ومنها بيت الله الحرام. أن آيات الإعجاز لها من العموم مثل ما لضرب الأمثال من عموم ممتدا فى الزمان بلا حدود راجعة لقدرته وإرادته جل شأنه، وممتدا فى المناط مثل كليات الشريعة. ومنه أن الطير الغاضبة لم تقصد البابا الحالى فرانسيس، لكنها تقصد كل البابوات والفاتيكان والنصرانية المحرفة، تكذبهم فى إدعاءات السلام بالحمائم، وتتهمهم بالحرب على الإسلام وإحتلال بيت الله الحرام، المستهدف الواحد مع أبرهة والفاتيكان،  وتنكر علي الإرهابيين أتباعهم إدعاء الإسلام. ذلك هو الإعجاز والبيان، وتلك هى الأية ناصعة نذيرا لبنى البشر أجمعين.
      التعليقات بالآلاف على الفيسبوك والتويتر ومواقع الأخبار العالمية، أحدهم قال: "لقد عمدنى البابا كى أعيش فى سلام، فإلى متى؟!"، وآخر قال: "الرب هو الرب، والبابا هو البابا، فإما أن تعبد البابا دون الرب أو العكس". من حيث أن هناك أقوال من قبيل التطير ففى نظرنا التالى بإذن الرحمن الرحمن.
مسك الختام قول الملك القدوس السلام:
* سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
صدق الله العظيم
التالى بعون الله:/5/ الآية لا نسخ فيها إنما المعجزة لا الحكمة.
--------------------------------------------------------------

تعليقات موضوعية:

رسالة الطير فى الفاتيكان /1/ إعجاز أم طبيعة؟

رسالة الطير فى الفاتيكان /1/ إعجاز أم طبيعة؟

By المنهاج | 2:53 AM EET, Mon November 10, 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
      مع بداية العام 2014م، فى إحتفالية شهدها عشرات الآلاف فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان بمناسبة اليوم السنوى للهولوكوست والذى يعقد الأحد الأخير من يناير كل عام، أطلق البابا مع طفلين من شباك القصر البابوى حمامتى سلام كالمعتاد، فإذا بطائرين، نورس وغراب، يهاجمان فى تزامن عجيب الحمامتين بعد إنطلاقهما بلحظات، على مشهد من الحضور والعدسات وأجهزة الإعلام العالمية. فماذا تقول الطير للبابا؟ أنه يظهر غير ما يبطن؟ رسالة من جنود الله فى الأرض؟ فى نظرنا هو إعجاز إلهى بلا شك، ورسالة لمن حرفوا الإنجيل ويؤمنون بالتثليث ويعادون الإسلام. وهى أيضا رسالة إلهية تقول للبابا، وللفاتيكان بالأولى، أنك لا تبغى السلام فى الأرض.الإحتمال قائم ردا على الفساد والفضايح التى لا تنقطع.
المصدر:National Geography.
      من حيث المبتدى ننظر فى مسألة ما إذا كان الحدث من كلمات الطبيعة كما يقول البعض، أنها طبيعة الطير، أم أن الطير تحمل رسالة ما ربانية، بمعنى ترميز الحدث، أنه يتطلب تأويلا مبنيا على أسباب ليست "طبيعية". بعد ذلك نبحث فى مكانة الطيور فى الإعجاز حسبما ورد فى الذكر الحكيم، ثم نتناول بعون الله مسألة دلائل الإعجاز فى ضوء ما حدث، والله المستعان جل فضله.
الملابسات:
عن طائر النورس:
 من عجائبه أنه إعترض سباقا للخيل عند نقطة البداية ثم على الممر،  مما أضر بالسباق.
المصدر: eBaum's WORLD
وفى سباق للجولف إعترض ضربة البداية لإحدى المتسابقات فأصابته فى مقتل.
المصدر: YouTube
(نعتذر عن الاكتفاء بإدراج رابط الفيديو حتى لا يكبر حجم المقالة، فهناك العديد منها فى هذا الصدد. كما نعتذر إن كان الفيديو قد حذف بعد نشر مقالتنا). 
وفى الفاتيكان كان هجوم النورس أيضا مع بداية إنطلاق الحمامتين، وإن لم يكن سباقا. ملابسات كل حالة تعتمد على العوامل والظروف المحيطة بها، إنما الترميز "لنقطة بداية" ما. أمر عجيب فى الطائر لا يمت إلى صراع البقاء والإقتتات وتصيد الغذاء بصلة، ولا يمت إلى اللهو والتسامر المعتاد بين الطير والحيوانات. إلى هنا فالأمر من طبيعيات النورس فى التوقيت، وإن رمز لشئ ما فى الحدث نفسه. على سبيل المثال أن يكون فى الحدث باطلا منذ البداية، وهى نقطة مهمة فى حالتنا. ربما قال البعض بأنها مجرد صدفة وإحتمالية بالإنتشار. مردود عليه بأن الصدفة لا تتكرر بهذه النوعية بإرادة الطائر. شاهده كيف كان متعمدا فى وقفته فى طريق ضربة بداية كرة الجولف، والتعمد فى الإنقضاض على الحمائم فى الفاتيكان. هذا السلوك الغير عادى يخرج الظاهرة من إطار الطبيعيات.
      أما أن النورس من الطير الجارحة المفترسة التى تنقض على غيرها من الطير فى الهواء للإفتراس كالنسور فلم يقل به علماء وخبرا ء الطير. "النورس" غير مصنف مع النسر بهذه النوعية فى عائلة واحدة. راجع "الويكيبيديا" التى تأخذ مادتها من المراجع العلمية. ينتمى النورس إلى عائلة "Charadriformes"، بينما النسر وأشباهه من الطير المفترسة "Birds of Prey"، أو الجارحة "Predators" فهى تنتمى إلى مجموعة من العائلات تسمى "Falconiformes"، ضمنها عائلة "Accipitridae" التى ينتمى إليها النسر والصقر.
      هناك من رصد النورس يقتات على طائر الحمام بعد قتله، مثل "صاحبنا" الذى كان يعمل فى الفاتيكان ورصد نورسا يأكل الحمامة، ليبرهن على أن ما حدث لحمامتى السلام أمر طبيعى فى ساحة الفاتيكان. هذه مغالطة لأن النورس لم ينقض فى الهواء على "فريسة" ليفترسها فيقتل ويأكل، إنما يأكل ما كان قد قضى عليه أو ما فقد الدفاعات والقدرة على المناورة. وهى مغالطة لأن حمام السلام الذى أطلق من قبل فى يوم الهولوكوست لم يحدث له ما حدث هذا العام، بالرغم من أن النورس لا يغيب عن ساحة الفاتيكان. وهى مغالطة من وجه ثالث، فلماذا يحتاج الفاتيكان إلى من يدافع عنه فى هذه الحادثة؟ هل هناك إتهام ما يستدعى مثل هذا الدفاع ويستدعى إستدعاء الدليل والشهود؟! سائغ أن كان ذلك للرد على الإتهامات العديدة التى وجهت للفاتيكان والبابا من الناحية الدينية على إثر ما حدث وأحدث ضجة إعلامية لفت العالم.
المصدر: YouTube
      المعروف عن طبيعة "النورس" أنه ينقض على مصدر الغذاء، لا الطير الأحياء منها ليفترسها. فى هذا "الفيديو" إنقض بالطبيعة متسارعا على ما فى يد أحدهم من الغذاء وقضم منه قضمة. ومن سلوكياته العجيبة بمنطقة شاطئية فى بريطانيا، أنه حرم على ساعى البريد، بالذات ساعى البريد الذى كان إمرأة، أن توزع البريد فى صناديقه المعتادة، مما إضطرت معه إدارة البريد لأن تنصح أهل البلدة أن يحصلوا على بريدهم من بلد مجاور. الطائر هنا يهاجم البشر بطريقة إنتقائية لسبب ما، قيل لون الملابس، ما ليس علميا وإلا كان قد حدث مع موزعى البريد فى مناطق شاطئية أخرى. الإحتمال قائم أن يكون السبب إحتواء حقيبتها على نوع من الغذاء، لكنه لم ينقض ليفترس أحدا.
المصدر يقول:
حتى أنه ضبط فى بريطانيا "يسرق البضاعة" إنتقائيا من السوق المركزى، طريق مسالم بلا قضاء، أفضل له وأسهل من عدوانية الطير الجارحة ومغامرات الفضاء. سلوك مسالم فيه ألفه مع البشر لم يثبت للطيور الجارحة مثل النسر والصقر.
      عن الغذاء، تحدثت الويكيبيديا عن تنوع مصادره، أساسا على الأرض، ثم من المسطحات المائية بلا عمق، ونادرا التصيد فى الفضاء، ولم تذكر شيئا عن إقتناص الطير فى الفضاء. قيل عنه أنه من الطير الذكية التى تستخدم الأدوات فى تصيد الغذاء والتعامل معه. والبعض يصفه بأنه طائر إرهابى دون قنص للفريسة فى الفضاء لمثيله من الطيور. وقيل فيه أيضا أنه يرمز للإنتهازية "Opportunism" أو فيه طابع الإنتهازية، ينتهز الفرص للتقوت. نعتمد هنا على  الموساعات المعرفية التى تجمل الموضوع دون الدخول فى تفاصيل وبحوث تتخذها كمصدر لمادتها، وليس مقامنا لها.
حول الغراب:
فى الغذاء قالت دائرة المعارف البريطانية:
< Crows feed chiefly on the ground, where they walk about purposefully. They are omnivores that enjoy meat and may even attack and kill young, weak animals. This habit makes them unpopular with farmers, as does the bird’s propensity to raid grain crops. Berries, insects, the eggs of other birds, and carrion are also eaten. Crows will make off with shreds of roadkill and store tidbits in trees, caching the meat like a leopard does for later consumption. Sometimes they bury seeds or store them in crevices in bark. They occasionally steal food from other animals, sometimes cooperating with other crows to raid food from otters, vultures, and water birds.
ترجمة: <الغربان تتغذى أساسا على الأرض، حيث تستهدف الغذاء فى مشيها. هى من الحيوانات التى تستمتع بأكل اللحوم، حتى أنها تهاجم وتقتل صغار الحيوانات الضعيفة. وهى كالعادة لا تحظى بشعبية لدى المزارعين، لأن الطائر يميل إلى مداهمة محاصيل الحبوب. تأكل أيضا التوت والحشرات وبيض الطيور الأخرى، والجيف. الغربان قبلتها الغذائية أشلاء ما يسقط من الأحياء، وتخزن الشهى من اللحوم في الأشجار تخزينا مؤقتا لتأكلها فى وقت لاحق مثل النمر. في بعض الأحيان تدفن البذور أو تخزنها في الشقوق، أو تسرق المواد الغذائية من الحيوانات الأخرى. وأحيانا تتعاون مع رفيقاتها  لمداهمة المواد الغذائية التى لدى ثعالب الماء  والنسور والطيور المائية.>
      دائرة المعارف لم تذكر شيئا، كما هو الشأن مع المصادر الأخرى، عن فرائس تقتنصها فى الفضاء. قالت أن الغربان طير إجتماعى قد يصل عددهم فى المستعمرات إلى المئات من الآلاف. اللافت للنظر أن الزوج والزوجة لهما عشهما الخاص مثل البشر. بل إن الزوج لا يتزوج من زوجة أخرى إلا فى حالتين: العقم والوفاة، منع تعدد الزوجات! كما تعرف بأنها طير ذكية يمكنها عد الأرقام وتقليد الأصوات، بل قال آخرون أنها أذكى الحيوانات والطير مجتمعة، فنسبة حجم المخ إلى الجسد تقترب من النسبة الخاصة بالإنسان، تضاهى القردة العليا. مع هذه الخصائص يستبعد علميا أن تكون الغربان من القناصة أو المفترسة للأحياء من الطير، فلديها ذكاؤها ووسائلها الخاصة، التى منها أن تقذف بفتات الخبز فى الماء حتى تتجمع الأسماك عند السطح فيسهل عليه إقتناصها. رصدت حالات فريدة عديدة لسلوكيات الغراب منها هجومه على "طائرة شراعية" حتى سقطت، ومنها مهاجمة "عصفور فى عشه"، ومنها "مطاردة المارة" فى منطقة باليابان.
      من قبيل الأساطير "Mythology" فى الثقافات المتعددة شرقا وغربا تذكر الويكيبيديا أن الغراب يرمز إلى ظاهرة الموت، وفى القرآن الكريم كان ذكره مع ظاهرة الموت أيضا، تعليم الإنسان كيف يوارى الموتى التراب، قوله تعالى:
* فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ *  ﴿المائدة: ٣١﴾
      فى التصنيف يصنف "العلماء" الغراب فى عائلة الطير الغناء "Corvidae"، الفرع: "Passeriformes"، ليس فى عائلة الطير المفترسة أو الجارحة. من هنا فليس من دليل علمى يؤيد كون سلوكها فى الفاتيكان وإنقضاضها على الحمائم سلوكا طبيعيا. يمكنك أيضا الإطلاع على موسوعة "الويكيبيديا" لتفصيل أكثر عن الغراب. وهناك تقريران جيدان بالعربية لمن يريد الإستزادة عن هذا الطير العجيب الذى علم الإنسان "كيف يدفن موتاه؟"، وفيه آيات من "آيات الله"، الأمر الذى سوف نتناوله فيما بعد بإذن الرحمن.
 
ردود الفعل:
ردود الفعل لما حدث فى الفاتيكان، التعليلات والتفسيرات والتأويلات والترميزات، تنوعت فى شتى أنحاء العالم. منها ما  حام حول صفات وسلوكيات الطيور بدراسات العلم الطبيعى، ومنها ما حمل على أفعال البابا والفاتيكان، ومنها ما تضمن شئ من الفلسفة وعلاقتها بالدين، ومنها ما خلص نفسه بالفأل الحسن أوالسيئ. لكن معظمها إعتبر الحدث على أنه غير عادى من أى زاوية من زوايا النظر. من هذه الردود التى تعتبر سلوكيات الطيور:
1) < Casey Rabbita (in "Global News"):
Crows and seagulls aren't birds of prey. Hawks, falcons, kestrels, and eagles are birds of prey. Crows and seagulls don't hunt other birds. They also don't flock together. Also, even though seagulls are known for being aggressive they don't attack without reason- as in nests are endangered or if a food source is being fought over. Crows also don't attack without similar reasons. It also makes no sense that the two birds were only going after the doves and not each other as well. If they were just aggressive birds then arguably they should have attacked each other as well and may be they did and we just haven't seen any photos yet. Still though, this attack makes no sense unless these were hyper territorial birds, they each had nests nearby, or perhaps they were diseased somehow. Let's not be too quick to jump straight to "OH MY GAWD IT'S A SIGN FROM GOD AND SATAN!!!" That probably won't lead to a logical conclusion about what's going on. And in the event it actually is somehow magically a sign, then it doesn't seem like a very good one. I'd much rather put faith in the fact that a little research is bound to uncover what really happened.
الغربان والنوارس ليست من الطيور الجارحة مثل الصقور والنسور..... الغربان والنوارس لا تصطاد الطيور الأخرى، كما أنها لا تطير (للإقتناص) معا فى جماعات. أيضا، على الرغم من أن طيور النورس معروفة لكونها عدوانية إلا أنها لا تهاجم دون سبب إذا إستشعرت الخطر فى الأعشاش أو مصدر الغذاء المحاط بالدفاعات. الغربان أيضا لا تهاجم دون أسباب مماثلة. كما أنه من غير المعقول قولا أن الطائرين كانا يطاردان الحمائم وليس بعضها البعض كذلك. لو كانوا مجرد طيور عدوانية فكان من الواجب ان يهاجم بعضهم البعض، ربما فعلوا و لكن لم نر أية صور تثبت ذلك بعد. على الرغم من ذلك، فهذا الهجوم لا معنى له ما لم تكن لهذه الطيور خاصية الإقليمية ولها أعشاش قريبة، أو ربما كانوا مرضى بطريقة أو بأخرى. دعونا لا نكون مسرعين جدا للقفز مباشرة إلى "يا سبحان الله، إنها إشارة من الرب والشيطان!"، فذلك ربما لا يؤدي إلى نتيجة منطقية حول ما يجري. في حال إعتبار ما حدث واقعيا هو بطريقة أو بأخرى علامة سحرية، فإنه لا يبدو وكأنها جيدة جدا. أنا أؤمن بحقيقة أن القليل من البحث مطلب ضرورى للكشف عن حقيقة ما حدث.>
That’s very weird. I’ve never seen a herring gull attack another bird. Crows, maybe – I’ve seen them in small groups harassing a hawk. That was quite elaborate – one would annoy the hawk, then he’d back off and another would take over, then a third, etc. Didn’t seem to bother the hawk all that much, even though the crows were a bit bigger than he was.
I asked the online Magic 8 Ball if this incident means anything, and it replied “outlook not so good”.
هذا غريب جدا. أنا لم أر قط هجوم نورس الرنجة على طائر آخر. الغربان، ربما، فقد رأيت منهم في مجموعات صغيرة تضايق أحد الصقور. عمليا - أحدهم من شأنه أن يزعج الصقر، ثم يرد الأخير الكرة، فيعاود المضايقة، ثم ثالثة، ...الخ.  لا يبدو أنه يزعج الصقر كثيرا. رغم ذلك، كانت الغربان أكبر حجما مما كان هو عليه. سألت "Magic 8 Ball" على الإنترنت ما إذا كان هذا الحادث يعني أي شيء، فأجاب "فى الإجمال ليست جيدة جدا".>
3) <Allan Wafkowski 28.01.2014 22:36 (RT)
I've been birding for 30 years and I have never seen anything like this. Two different species effectively working in concert attacking another is very strange. The National Geographic's take on it is a stab in the dark, with not enough evidence to be creditable. I suspect God is telling us something.
لقد تعاملت مع الطيور لمدة 30 سنة ولم أر شيئا من هذا القبيل. إثنين من الأنواع المختلفة تعمل على نحو متزامن في مهاجمة نوع آخر هو شئ غريب جدا. تقول ناشيونال جيوغرافيك "أن ذلك بمثابة طعنة في الظلام، مع أن الأدلة ليست كافية لتكون جديرة بالإكبار". أناأظن أن الله يقول لنا شيئا.>
    ثلاثة خبراء فى الطير يؤكدون مع العلماء أن هجوم النورس والغراب على الحمامتين ليس من العاديات بين الطير. وهو المطلوب إثباته.
      حادثة فريدة وغريبة كما وصفت، وفسرها الكثيرون بأنها تحسب على البابا لا معه، أن إهتز لها عرش البابا الملكى. فكيف بالغراب والنورس، وليسا من الطير الجارحة، يهاجمان فى آن واحد لحظة إنطلاق الحمامتين، كأن بينهما توزيع للأدوار كل منهما تجاه إحدى الحمائم بلا صدام مع الآخر، بتوقيت عجيب كأنهما متريصان فى مهمة مزدوجة أو خطة محكمة للهجوم كما فى المعارك الحربية؟ ولماذا نورس وغراب ولم يكن غرابان أو نورسان حيث التآلف بينهما فى الحصاد؟ وكما تساءل خبير الطير فى الشهادة الأولى لماذا لم يهاجم أحدهما الآخر فى منافسة على الفريسة إن كان ما حدث من قبيل إصطياد الفرائس؟ الصورة ناصعة البيان، فيها الغراب لم يهاجم النورس غريمه على الفريسة إنما الحمامة، ولكل وجهته ما لم يره الخبير حتى لحظة كتابة شهادته.
      البرهان ساطع البيان، أن فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان فى ذلك اليوم بثت الطير رسالة إلهية إلى البابا والفاتيكان والعالم أجمع، هى بلا شك إعتراض بين على أفعال الفاتيكان ومعتقداته. وعندما يتعلق الأمر بالدين فعلينا النظر فى خلق الله من خلال عدسات إعجازه فى الخلق لنقف على المسببات المنطقية للظواهر الغير طبيعية من حولنا، نزداد إيمانا به جلت قدرته. هى عبرة لمن عمى فيرى فى الطبيعة إلها أو أنها الطبيعة الأم ولا شئ بعدها أو فوقها. وهى أيضا عبرة لمن يعتقد إفكا أن الله متجسد فى الطبيعة التى خلقها. هى فى الحقيقة آيات بينات معجزات نرى من خلالها قدرته فى خلقه، حقيقة لا مراء فيها تبهر العقول ببرهان ساطع يثبت وحدانيته، لا إله إلا هو، واحد أحد، لا شريك له ولا ولد، وبرهان على أن ما حدث فى الفاتيكان هو من كلمات الله جل وعلا. كلمات معجزات فى رسالة بثتها الطير بما حباها الله من شواهد الإعجاز البين، ومن وقدرته فى خلقه جل شأنه.
فيما يأتى بعض من التفصيل بعون الله وهداه جل فضله.
مسك الختام كلمات الحق من الخلاق العليم:
* خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ* وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ *  بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ *
وقال:
* سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
صدق الله العظيم
المقال التالى: /2/ الإعجاز فى الطير.
على آية الطير:أستاذ جامعى [Minhageat.com]

 

تحديث  بعد هذه الحادثة إستبدل البابا فرانسيس حمائم السلام بالبالونات البلاستيكة يطلقها من نافذة الفاتيكان مع الأطفال فى مناسبة يوم الهولوكوست، بحجة أن الحمائم مخلوقات الرب البريئة وغير مستحب أن ُتقتل فى بيت الرب الفاتيكان. هو فى ذلك يدين نفسه، وكأنه يتوقع أن يحدث ذلك كل عام فى عهده، فتفضحه الطير. وهو فى ذلك يهرب من مقدور الرب وإعجازه  الباهر فى الكون. حمائم السلام يطلقها البابا طوال عقود من الزمن ومنذ بدأ الإحتفال بيوم الهولوكوست، ولم يحدث إفتراس الطير لها إلا حديثاً. جدير بالذكر أن هجوم الطيرعلى حمائم السلام فى المناسبة حدث قبل ذلك مع سلفه البابا بنيديكت، ولكن بنورس واحد، ولم يستبدل البابا الحمائم بالبالونات، قيل أن بنيديكت أشهر إسلامه فيما بعد، ما ينكره الفاتيكان.
البابا بنيدكت وهجوم النورس

تعليقات موضوعية:

رسالة الطير فى الفاتيكان /2/ إعجاز الطير فى القرآن.

رسالة الطير فى الفاتيكان /2/ إعجاز الطير فى القرآن.

By المنهاج | 4:16 PM EET, Tue December 02, 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
 
      فى هذه العجالة ننظر فى مكانة الطير فى إعجاز الله برهانا على ألوهيته ووحدانيته، واحد أحد لا شريك له فى الخلق، وإلا التفاوت والتعالى. يذكر أن لفظ "الطير" هو الشائع فى القرآن الكريم بصيغة الجمع، ليس هناك لفظ "الطيور"، وإن كانت اللغة تحتمل الإفراد فى لفظ "الطير".
      فى كل حين ومكان، يؤيد الله بمعجزاته وآياته فى الكون وهداه المباشر عباده المؤمنين حقا المصطفين، يسخر لهم جنوده فى السماوات والأرض ومنها الطير. فى مقدمتهم الرسل والأنبياء مثل محمد عليه الصلاة والسلام وقصة غار حراء، ونبيه سليمان عليه السلام وقصته مع الهدهد وملكة سبأ، والإمام الرازى من الراسخين فى العلم وحكايته مع الحمامة.
      فى إجمال جنود الله قال العليم الحكيم:
* هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّـهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * ﴿الفتح: ٤
فكم من جنود الله فى السماوات وفى الأرض لا يعلمها البشر فى حمل معجز لرسالة التوحيد بالله، واحد أحد لا شريك له ولا ولد، ورسالة معجزة للبرهان على قدرته وإبداعه فى الخلق.  ولا يعلمها البشر إلا فى آية من آيات الله ومعجزاته. ثم إنه جل وعلا يدلل فى الذكر الحكيم على أن الطير مسخرات بأمره يرسلها حيث يشاء ومعها رسالة ما لبنى البشر بينة ناصعة تحكى قدرته العلية فهو الخالق البارئ المصور الذى قال:
* حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ﴿الحج: ٣١﴾
التشبيه بالكاف يجعل الآية من المتشابه، وفى التأويل مقصوده أن يكون مقهور الإرادة تستقى من قوله: "خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ"، مثل أوراق الخريف، يصبح كالفريسة التى تتنافس عليها الطير كغذاء. ثم مقصوده الضلال فى الدنيا بلا قرار وبئس المصير، المعنى المضمر فى قوله: "تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ". ويحتمل التشبيه بالكاف إعجازا علميا لم نتوقف عليه بعد. هنا دخلت الطير كنذير فيه العقاب، والمآل الفناء. والله أعلم.
وقال:
* أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * ﴿النحل: ٧٩﴾
الإمام الرازى، رحمه الله، قال في تفسيره "مفاتيح الغيب" بلغة علمية ميكانيكية:
< {مَا يُمْسِكُهُنَّفالمعنى: أن جسد الطير جسم ثقيل، والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقاً من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى، ثم من الظاهر أن بقاءه في الجو معلقاً فعله وحاصل باختياره، فثبت أن خالق فعل العبد هو الله تعالى. قال القاضي: إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه، لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يمكن الطير من تلك الأفعال، فلما كان تعالى هو المسبب لذلك لا جرم صحت هذه الإضافة إلى الله تعالى.>
قضية خلافية من قضايا علم الكلام، نسبة أفعال العباد أو الطيرإلى الله، قضية أساسية فى ثنائية الإختيار والجبر فى منهاج المثانى، ليس مقام تفصيلها، إنما نقول بأن الجبر فيها بالخلق، أن خلق الله الطير وخلق له أدوات الطير. أما إذا كان الفعل جبرا سقط عن المخلوقات الإختيار، ما ينافى أصول الدين من أن الله أنزل إلينا الشرائع تحكم على أفعال العباد. فإن كانت الأفعال جبرية، كما تقول طائفة الجبرية الكلامية، إنتفت الشرائع والحكمة منها ومن تنزيلها، متفق عليه بين علماء السنة والجماعة. المعنى هنا فى قوله: "يُمْسِكُهُنَّ"، ينبنى على الجبر بالخلق، إمكانيات بقاء الطير طائرة فى جو السماء، إتفاقا مع إمامنا فى تفسيره. لكنه يرجع أيضا إلى الإختيار، إختيار الطائر البقاء طائرا فى السماء من عدمه، إعتمادا على ما هو فيه من ترحال أو من قنص فريسة أو تصيد الغذاء. فإذا جئنا إلى حال الطير فى الفاتيكان غلبنا الجبر فى الفعل من حيث أنه من أمر الله، لا من حيث إرادة الطير الطبيعية وإلا إنتفى الإعجاز عنها، أى أنه سلوك غير طبيعى، ما أثبتناه سابقا فى الجزء الأول. من وجه ثان على المنهاج أن سلوك الطير على ذلك النحو من باب الطاعة، طاعة الله فى أوامره ونواهيه، فيها من المثانى كليهما الإختيار والجبر، مفاد قوله تعالى:
* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * (فصلت: 11)
قوله: "أَتَيْنَا" فيه الإختيار، و"طَائِعِينَ" من الجبر، طاعة أوامر الله فى قوله: "اِئْتِيَا". سبق الإختيار على الجبر. الآية الكريمة من متشابهات المنهاج على المثانى، دليل المتشابه المجاز فى "قَالَتَا"، فيها تفصيل. والله أعلم.
الإمساك هنا يحتمل الإعجاز العلمى فى التأويل، في الآية الكريمة متشابه إعجاز علمى، دليله أن الله لا يمسك الطير ماديا كما يمسك الإنسان الشئ بين يديه، وإلا التشبيه فى الذات الإلهية. قال الكلاميون أن لله يد ليست كيد الإنسان، وأن التشبيه حاصل فى الفعل، لا فى كيفيته ولا فى أدواته، قضية خلافية. الإعجاز هو أن بعض الطير قادرة على أن تظل ساكنة فى الهواء دون تحريك لأجنحتها، لا مجرد كونها طائرة فى جو السماء ترفرف بأجنحتها. ذلك أن معنى الإمساك فى اللغة يمنع الحركة، فيه السكون أكثر من الحركة بالنسبة للطير. الرازى قصد الإمساك طائرا بين الأرض والسماء، والمعنى الأدق طائرا بين الأرض والسماء ساكنا. المعنى أكثر وضوحا فى قوله تعالى:
* أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَـٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * (الملك: 19).
هنا تفصيل أكثر على التثنية، أن الطير قادرة على أن تطير فى صفوف منتظمة. وأن أساس الطيران النظرى هو مسألة دفع الهواء بالجناح عند قبضه (ضمه) بعد بسطه، العملية المستمرة بسط/قبض اللازمة لطيران الطير وحملها فى الهواء. وأن الطير قادرة أيضا أن تكون طائرة فى سكون، معلقة بين الأرض والسماء دون بسط وقبض، ماهو من الإعجاز العلمى فى القرآن. دليل التشابه كما ذكرنا هو قوله: "يُمْسِكُهُنَّ" فى الآيتين.  الإعجاز الأكبر فى هذه الظاهرة أن معنى المسك محقق فى السكون، ولا يكون سكون إلا بتوازن بين قوتين، الإشارة إلى ذكر اللفظ مرتين على المثانى، سنة الله فى الكون والحياة. سبق. فكيف تكون ساكنة فى الهواء مثل الطائرة الهيلوكبتر؟ تفصيل القوتين يحتاج إلى بحث علمى طبيعى ليس مقامه. هناك نوع من الطير تظل ساكنة بجناحيها لبرهة، مثل طائر العقاب قبل الغطس لإصطياد السمك، ومنها الطيور الطنانة Hummingbirds التى تستطيع ليس فقط السكون فى الهواء، مرفرفة بجناحيها بذبذة عالية، إنما الطيران إلى الخلف أيضا. والله أعلم.
(للإستزادة عن صفات مثل هذه الطير: سميثونيان Smithsonian)
---------------------------------------------------------
قال الخلاق العليم:
* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * ﴿النور: ٤١﴾
هنا أيضا إعجاز علمى وإخبار عن أمة الطير، أن من الطير كما هو معلوم ما تطير فى مجموعات لها قائدها مثل المصلين وإمامهم. مبناه الإقتران بين "صَافَّاتٍ" و "صَلَاتَهُ"، والتخصيص بالصلاة والتسبيح فى "كُلٌّ". بمعنى أن الطير فى طيرانها على هذا النحو تسبح لخالقها البارئ المصور وكأنها تصلى مثل البشر المسلمين لها إمام، من ثم يجرى عليها القول كأمة أن بها مسلمون وكفار. تأكيد دليل الإعجاز العلمى فى قوله: "وَاللَّـهُ عَلِيمٌ". والله أعلم.
وقال:
* وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * ﴿ص: ١٩﴾
الأواب معروف على أنه من البشر بالتقوى بعد الإيمان، لكن الله أضاف الصفة إلى الطير مثلهم، ما لا يعلمه البشر. فيها تفصيل على المثانى، ثنائية المجتمع والفرد، الجمع فى "محشورة"، والإفراد فى "كل". والله أعلم.
وقال:
* وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ * ﴿الأنعام: ٣٨﴾
مرة ثانية يماثل تعالى ذكره بين البشر والطير فى الحياة الإجتماعية بلا تفريط عن صفات خلقة. قال الإمام القرطبى، رحمه الله، فى تفسيره "جامع البيان":
< يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذّبين بآيات الله: أيها القوم، لا تحسبنّ الله غافلاً عما تعملون، أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون، وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها وهو غير غافل عن عمل شيء دبّ على الأرض صغير أو كبير ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء؟ بل جعل ذلك كله أجناساً مجنسة وأصنافاً مصنفة، تعرف كما تعرفون وتتصرّف فيما سخُرتْ له كما تتصرّفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كلّ ذلك من أعمالها في أمّ الكتاب....... حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ} يقول: الطير أمة، والإنس أمة، والجنّ أمة.>
      عن الطير فى المأكل قال الرزاق العليم:
* وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ *  ﴿الواقعة: ٢١
ضمن ما سخره الله للبشر من نعم ومنافع لهم بالخلق، إنما ليست الطير كلها مما يشتهيه عامة الناس على إختلاف المشارب والتذوق بينهم. فى التأويل تحتمل كذلك أن عامة الطير مما يشتهيه الناس كمأكل من نبات أو حيوان، وبمعنى أن الطير من المأكل الحلال. والله أعلم.
       الطير فى آيات بينات مع الرسل والأنبياء:
      فى هجرة خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم، عندما طارده كفار قريش وبيتوا لقتله، غادر مكة المكرمة ليلا وإختبأ وصاحبه أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، فى غار حراء. أيده سبحانه بجنوده من الحمائم والعنكبوت على باب الغار، فظن الكفار فى مطاردتهم له أن ليس بالغار أحد، ونجاه ربه بمعجزات فى جنوده. مفاد قوله أحكم الحاكمين:
* إلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * ﴿التوبة: ٤٠﴾
أيده الله سبحانه وتعالى بجنود لم يرها الناس كجيوش مجيشة. فى التأويل تحتمل أنها الجنود التى بها "لم يرى" الكفار محمد عليه الصلاة والسلام فى الغار، هى الحمائم والعنكبوت. الآية الكريمة من المتشابهات، فيها متشابه الضمير فى "سَكِينَتَهُ"، دليله العقلى فصل فيه الإمام الرازى، رحمه الله، وقد ذكرناه مع موضوع الهجرة، عائد إلى الصديق، رضى الله عنه. وفيها متشابه الجنود، وفيها متشابه مكانى أن الكلمة هى العليا أو السفلى معنويا وليس مكانيا. إستدللنا من قبل على أن المجاز بأنواعه المختلفة والتشبيه فى الذكر الحكيم يقع فى الآيات المتشابهات. على هذا الوجه يلزم التأويل، شاهده ما حدث بالفعل من معجزة فى الطير والعنكبوت جنود الله الحقيقية، وإن كان الشائع فى التفاسير أن الجنود هى الملائكة كما فى غزوة بدر، معومة غير محددة، وغير ممتنعة فى هذه المسألة. نميل فى ذلك إلى قول الإمام الزمخشرى، رحمه الله، فى تفسيره "الكشاف":
< لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله، والعنكبوت فنسجت عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم أعم أبصارهم" فجعلوا يتردّدون حول الغار ولا يفطنون. وقد أخذ الله بأبصارهم عنه.>
التأويل الأرجح فى عدم رؤية جنود الله. والله أعلم.
      مع رسول الله عيسى بن مريم، عليه السلام، إعجاز الله فى الخلق مؤيدا به رسوله إلى بنى إسرائيل، قال العزيزالقدير:
* وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي * ﴿المائدة: ١١٠﴾
جاءت هذه الآية خطاب من الله لرسوله عليه السلام، وجاء الخطاب على لسان عيسى فى موضع آخر بنفس المضمون الإعجازى، قوله تعالى:
* وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ * (أل عمران: 49)
مثال الطير فى إحياء الموتى، وإشارة إلى المثانى، وإشارة إلى إعجاز علمى فى صناعة الطائرات والصواريخ، وفيها نظرية الدفع فى المحركات النفاثة المبنية على النظرية الميكانيكية "لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الإتجاه". فقد دلنا البحث فى بلاغة القرآن الكريم والمتشابه فيه إلى أن التشبيه بالكاف فى عامته كقاعدة إذا ما إقترن بالماديات يتضمن إعجازا علميا، باب من أبواب المنهاج. مثل ذلك قوله تعالى: "كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ"، "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ"، "كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ"، "فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ"، "كَمَثَلِ الكَلْبِ"، "كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ"، ومثله كثير. لكن الذين يقولون فى الإعجاز العلمى لا يتبعون دليلا لغويا ولا قانونا أو قاعدة تأويلية، ما يعتبر تقولا على الله ولو صح تأويلهم، نستغفره ونتوب إليه، له الأمر من قبل ومن بعد. والله أعلم.
      دليل التأويل هنا علمى تجريبى، أنك لو صنعت من الطين طيرا لن يطير بذاته إذا نفخت فيه. وربما قال المغرضون أن هذا من باب الخرافة. ننبه مرة أخرى على أن المتشابه جائز تفسيره على وجه، وجائز تأويله على وجه آخر، كلاهما سائغان، سقنا عليه الدليل أكثر من مرة. جاز فى مثالنا أن تكون معجزة أيد بها الله رسوله عليه السلام، وفقط، وجاز إعجازا علميا عصريا. فيه تفصيل، ومنه المعروف أن أول من قام بصناعة الطائرات مثل الطير هما "الأخوان رايت Write Brothers"، من النصارى، فالإحتمال قائم بنسبة الإختراع إلى تابعى عيسى عليه السلام. الآية الكريمة فيها "فَتَنفُخُ فِيهَا"، ولا تدل على محاولة عباس بن فرناس تقليد الطير بقدر ما تدل على الذى يطير ذاتيا على إثر النفخ فيه، الطائرات.
الأخوان رايت
      مع موسى عليه السلام وقومه بنى إسرائيل كان طير السمان الذى هو "السلوى"، قول الغفور الرحيم:
* وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ﴿البقرة: ٥٧﴾
إتفق معظم المفسرون على أن "المن" هو سائل حلو المذاق يقترب من العسل ينزل على الأشجار بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وفيه فوائد طبية. أنزله الله على بنى إسرائيل مع شحة العيش. كما إتفقوا على أن السلوى هو طائر السمان المعروف بأنه طائر مهاجر، يعيش فى الشمال صيفا ويرتحل جنوبا فى الشتاء. الإشارات موقوته، فالغمام ظلل به الخالق سبحانه وتعالى بنى إسرائيل ليقيهم حر الصيف، ما يعنى عيشهم فى الصحراء المصرية، والمن موقوت بطلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أما السمان فموقوت بالشتاء. حماهم الله من حرارة الصيف وأنعم عليهم المشرب والمأكل، لكن جانبهم الشكر على أنعم الله الطيبات. ثنى جل شأنه فى نفس موضوع بنى إسرائيل:
* وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ﴿الأعراف: ١٦٠﴾
فى التثليث على المن والسلوى قال الحكيم العليم:
* يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ * ﴿طه: ٨٠﴾
ظللهم الله بالغمام وقاية من الحر، وأنجاهم من عدوهم فرعون، وواعدهم رسالة موسى عليه السلام على جبل الطور فى صحراء سيناء، وأنزل عليهم المن والسلوى. منحهم الله الأمن والأمان من عدو ومن طبيعة قاسية، ومنحهم الشريعة والمشرب والمأكل، مقومات الحياة الأساسية ضمنها الطير، لكنهم كفروا بأنعم الله، ظلموا أنفسهم وعبدوا العجل فحق عليهم التيه فى ربوع الأرض جزاءا وفاقا. التكرار ثلاثا فى "الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" يعنى المنهاج فى التأويل. أن فى التوراة من منهاج الله ما يتناسب مع مسببات تنزيلها. كما تحتمل أن الرسالات الثلاث فيها المنهاج على المثانى، سبق التدليل عليه. ذكر الدليل كاملا من "وَظَلَّلْنَا" إلى "يَظْلِمُونَ" مرتين، ما يشير إلى المثانى، ومشار إلى المثانى فى "الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ". ثم كرر الدليل الأخير مرة ثالثة للإشارة للمنهاج. فيها تفصيل جم خاصة مع إقترانها بعدد أبواب المنهاج الإثنتى عشر، كما سيجئ بعون الله. يجدر بالذكر ما سبق أن إستدللنا عليه من أن المأكل والمشرب فى الذكر الحكيم له معنيان، متشابه وغير متشابه، وصح التفسير والتأويل على الوجهين. والله أعلم.
      المعجزات البينات فى الطير أيد الله بها عددا آخر من الأنبياء. مع إبراهيم عليه السلام قال الحكيم العليم:
* وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * ﴿البقرة: ٢٦٠﴾
مثال الطير فى إحياء الموتى مرة ثانية، هى الأولى زمنيا. التضمين لإعجاز الخالق فى خلقة، كيف يحيى الموتى بقدرته جل شأنه. فيها تأويل وإعجاز علمى لم يقف عليه بعد علم الذين يسعون معاجزين فى الله، يحاولون أن يبثوا الحياة فى الموتى، أو تخليق الأحياء ولو على مستوى البكتيريا. هيهات لهم، فالتحدى فى قوله تعالى: "وَاعْلَمْ "، وفيه الطير المثال على كيفية إحياء الموتى. ما لا يفهمونه أن إعجاز الخالق ليس فى تخليق الأحماض النووية فقط إنما أيضا بث الروح فيها التى هى من أمر الله وحده لا شريك له، وحيث خلق الله آدم عليه السلام من تراب. والله أعلم.
      مع يوسف عليه السلام دخل الطير فى قضية التأويل، قول العزيز الحكيم:
* وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * ﴿يوسف: ٣٦﴾
فى التأويل قال:
* يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * ﴿يوسف: ٤١﴾
كأن بطون الطير هى المآل الأخير للأحياء، بشرا أو ديدانا. فكل من عليها فان، وبأى آلاء ربكما تكذبان؟  رسالة التأويل وقوانينه عويصة المسالك مثل أحجار المتشابه، ليس مقامها، وقد أفردنا لها مدونة "تأويليات"، سيكون نظرنا فيها هناك بإذن الرحمن الرحيم.
      مع داوود عليه السلام قال جل فضله:
* وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * ﴿سبإ: ١٠﴾
ثلاثة معجزات فى الجبال والطير والحديد، أيد الله بها نبيه داوود عليه السلام. قال فيها الزمخشرى:
< أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحاً كما خلق الكلام في الشجرة، فيسمع منها ما يسمع من المسبح: معجزة لداود. وقيل: كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها. وقرىء: «وَالطَّيْرَ»، رفعاً ونصباً، وعطفاً على لفظ الجبال ومحلها. وجوّزوا أن ينتصب مفعولاً معه، وأن يعطف على فضلاً، بمعنى وسخرنا له الطير. فإن قلت: أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال: {ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً} تأويب الجبال معه والطير؟ قلت: كم بينهما؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى: من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلٰهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذي إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا: إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته.>
وقال الرازى فى الحديد:
< المسألة السابعة: ألان الله له الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير، فإنه يلين بالنار وينحل حتى يصير كالمداد الذي يكتب به، فأي عاقل يستبعد ذلك من قدرة الله، قيل إنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان له الحديد وعلمه صنعة اللبوس وهي الدروع، وإنما اختار الله له ذلك، لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وسعى في حفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل، فالزراد خير من القواس والسياف وغيرهما.>
هنا مثال للحد الفاصل بين توهم الخرافة عند المغرضين، زائغى القلوب (المضمون) وبين الحقيقة العلمية. بمعنى آخر التفسير بالظاهر والتأويل بالمضمون، بمعنى ثالث تفسير على أنه غير متشابه بظاهر النص، وتأويل المتشابه بناء على دليل لغوى أو عقلى أو علمى عصرى، سبق. نعم أيد الله رسله وأنبيائه بالمعجزات التى لم تكن لها تفسير على مر الزمن إلا بذلك الظاهر من النص محملة على قدرة الله جلت قدرته. نقول هى معجزات فعلية واقعية، آيات بينات للتدليل على الخالق جل وعلا. لكن هناك مقصود آخر على وجه ثانى مختبئ فى المتشابه من النص الخاص بالمعجزات، مقصود علمى وإعجاز هذا مثال له. مثل ذلك ما ذكرناه عن الطير وعيسى عليه السلام، أيده الله بمعجزة إحياء الموتى، إنما النص عن الطير فيه مجاز دلالة على إعجاز ثان. فهم السلف رحمهم الله أن الحديد قد ألانه الله لنبيه داوود كمعجزة تؤيده فى دعواه. فى عصر العلم نجد الأدلة الطبيعية على الإعجاز مستقطعا من سياق النبوة، أن فى صهر الحديد منافع للناس لا حصر لها فى أيامنا هذه، وكما ذكر الرازى عن صناعة الدروع كمثال، وعليها الشكر، مفاد قوله تعالى:
* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚوَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ *    (الأنبياء: 79 - 80﴾
واقع علمى حتى فى عصر نبينا داوود عليه السلام الذى كان فضل الله عليه علما. لقد علمه الله وحيا طريقة صهر الحديد لصناعة المنافع المتعددة، من باب الإعجاز التاريخى، الإحتمال الأرجح تأويلا فى قوله تعالى: "وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ". في الآية الكريمة الجبال والطير يسبحن بحمد الله تفسيرا وتثنية على أن كلا منهما أواب كما فى الآية الأولى. فيها تفصيل على المثانى. والله أعلم.
      مثل ذلك جنود الله من الجن والإنس والطير الذى سخرها سبحانه وتعالى لنبيه سليمان عليه السلام فى رسالته الإيمانية ودعوى الناس لعبادة الله الواحد الأحد. الهدهد آتاه بنبأ ملكة سبأ وصفات عرشها. هم عفريت من الجن أن يأتيه بعرشها قبل أن يقوم من مقامه، أما الذى عنده علم من الكتاب فقد آتاه عرشها قبل أن يرتد إليه طرفه. هؤلاء هم جنود الله من الطير والجن والإنس على التوالى، ثم أسلمت الملكة مع سليمان عليه السلام. القصة قال فيها العلى القدير:
* وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * ﴿النمل: ١٧﴾
الرازى فى تفسيرها وضع الطير مع الجن والإنس فى مقام واحد من التكليف:
<وأما قوله: {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَـٰنَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ}، فالحشر هو الإحضار والجمع من الأماكن المختلفة، والمعنى أنه جعل الله تعالى كل هذه الأصناف جنوده ولا يكون كذلك إلا بأن يتصرف على مراده، ولا يكون كذلك إلا مع العقل الذي يصح معه التكليف، أو يكون بمنزلة المراهق الذي قد قارب حد التكليف فلذلك قلنا إن الله تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل، وليس كذلك حال الطيور في أيامنا وإن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها أو خصها الله بها لمنافع العباد كالنحل وغيره.
وأما قوله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَمعناه يحبسون وهذا لا يكون إلا إذا كان في كل قبيل منها وازع، ويكون له تسلط على من يرده ويكفه ويصرفه، فالظاهر يشهد بهذا القدر والذي جاء في الخبر من أنهم كانوا يمنعون من يتقدم ليكون مسيره مع جنوده على ترتيب فغير ممتنع.>
في القصة إعجاز الهدهد وكيف إستدل سليمان، عليه السلام، عن طريقه إلى خبر ملكة سبأ وأحوالها. واضح المتشابه فى الحوار والنبأ اليقين. فيه تفصيل كثير تجد بعضا منه فى باب "هذه بضاعتنا". نحن لا نركن إلى الخرافات الماضية مع الأقدمين، عذرهم غياب الدليل، إنما نبنى على دلائل علمية ونظرية تتناسب وعصر العلم الذى به الناس يعاجزون الله، تستنبط منه. فكيف يجئ عفريت من الجن أو الذى على علم من الكتاب بعرش ملكة فى طرفة عين؟ أعداء الإسلام الماديون بالعلم يعدون مثل ذلك من الخرافات، شبهات يلقونها إفتراءا وبهتنانا على الإسلام، والحقيقة أن فى القصة علم جم لم يكشف عنه بعد، دليله فى القصة متعدد، منه أن الله وهب "علما" لداوود وسليمان عليهما السلام، قوله تعالى:
* وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا  *
 الذى منه علم منطق الطير. هذا عجيب فى حد ذاته، إعجاز مستقل عن القدرة العقلية للطير التى ترتقى إلى "المنطق"، الذى عده كثير من الفلاسفة أساس العلم. دليل العلم كذلك فى قوله: "بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ". أتفق - خاصة فى العصر الحديث - على أن السلطان جاء فى القرآن الكريم على أنه العلم، مثل ما جاء فى قوله تعالى
* يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ* ﴿الرحمن: ٣٣﴾
مقصوده العصرى علوم الفضاء، من الإعجاز الغيبى التاريخى. دليل العلم أيضا فى قوله تعالى: "بِنَبَإٍ يَقِينٍ"، فليس من يقين إلا بالعلم. ودليله فى قوله : "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ"، وقوله: "وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا". من جانبنا وبعون الله وهداه نجلى بعض منه على قدر ما وسع الله علينا به من علمه، ضمن المتشابه الذى حير العقول لقرون مديدة.
أما قوله الحكيم العليم:
*  وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* (النمل: 20 -2)
ففيه إعجاز الهدهد، أنه لم يأت بنبأ ملكة سبأ إلا بأمر من الله، لا بناء على أمر أو رغبة من نبى الله بطبيعة التعلم، مثلما الحال مع الحمام الزاجل فى التراسل. فقد كان غائبا عن الفصيل وتوعده سليمان، لكنه إستدرك بأن الهدهد ربما كان فى مهمة ربانية على أمر من الله للإتيان بعلم لا يعلمه، فيسقط عنه الوعيد فى الإحتمالات المطروحة. هنا المثال الأمثل لحالة الطير فى الفاتيكان، أن النورس والغراب كانا على أمر من الله مثل الهدهد. والله أعلم.
      من إعجازات جنود الله فى الأرض والسماوات الطير، حكاية الإمام فخر الدين الرازى، رحمه الله، مع الحمامة. وهو صاحب تفسير "مفاتيح الغيب"، العالم الموسوعى فى العلم الدينى أهمه التفسير وأصول الدين، وفى علم الكلام أشعريا، وفى العلم الطبيعى وريادته فى تأسيس علم الميكانيكا قبل نيوتن سواء. فلا غرو قد أيده الله بمعجزة من معجزاته. قيل فى الرواية المشهورة عنه أن طارد صقر حمامة فدخلت الحمامة الجامع، تخطت الصفوف وإستقرت فى حجر الرازى، فر الصقر ونجت الحمامة. أى أن إتيان الله بمعجزات الطير لم يقتصر على الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وحدهم. من هنا جاز الإمتداد للطير فى الفاتيكان، والله يعلم حيث يجعل رسالته، هو الأعلم.
المصدر: مجلة الغرباء.
------------------
      لو تفحصت الإعجاز فى الذكر الحكيم وآياته التى أيد بها سبحانه وتعالى رسله وأنبيائه، لا تجد من المخلوقات إلا الطير كفاعل يحمل رسالة يؤديها بإعجاز. المخلوقات الأخرى التى ورد ذكرها وإن متضمنة فى آية من الإعجاز تقع مفعولا بها، لا فاعلة. الهدهد مع سليمان خير مثال، له دور وأتم مهمة، قام بفعل تمثل فى قوله تعالى: "فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ"، وقوله: "وَجِئْتُكَ". على خلاف بقرة بنى إسرائيل، أو ناقة نوح، أو الذبح العظيم فى فداء الأضحى، أو الحية مع موسى وإن كانت تسعى، أو النمل مع سليمان وإن تكلمت، أو الكلب مع أهل الكهف وإن بسط ذراعيه، أو الجراد والقمل وإن أرسلها ربها عقابا، أو الذباب وإن ضرب به المثل فى الإعجاز، أو الخنزير وإن حمل من الشريعة بابا، أو الحمار الذى يحمل أسفارا. ما يظهر معها من فعل هو دلالة على صفاتها أو أحوالها، وإن إكتنفته المعجزة العلمية بالغيب، فليس دلالة على فعل طاعة لأوامر إلهية كطاعة المسلم فى إتيان الفروض مختارا. أما قوله: " كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا " ففيه متشابه إعجاز علمى لا يدل على إستثناء من الطبيعة. كل هذه المخلوقات جزء من معجزة تدلل على إعجاز الخلق فيها، لكنها لم تقم فيها بدور أو فعل. الطير تتميز عنها بأن منها ما جاء فى موقع الفاعل، خصها الله به لحمل رسالاته البينة من المعجزات. من ثم تأتى بعد البشر فى مراتب الرقى بين الأحياء. وقد دل سبحانه على أن لها منطق. ألم يوحى إليها ربها كما فى حال النحل،  الحشرة "الطائرة"، وأليس منها ما ينطق بلسان الإنسان، وألم يبعث الغراب وكأنه رسول؟
(ذكر الحيوانات فى القرآن الكريم: "عالم الحيوانات"، "الويكيبيديا")
------------------------------------------------------
      سبحانه وتعالى العلى القدير، الحكيم العليم، جعل فى الطير حكمة ومنطق ونظم إجتماعية وفوائد ونعم لبنى البشر، ثم حملها عبر الزمن والمتغيرات رسالات الإعجاز عبرة وعظة لمن يعتبر تدليلا على الإعجاز فى الخلق وتدليلا على أنه واحد أحد لا شريك له ولا ولد، والله يعلم حيث يجعل رسالته. نستنتج من هذا كله أن ما حدث فى الفاتيكان من هجوم النورس والغراب على حمائم السلام، ليس له تفسير ولا تأويل آخر سوى إعجاز الله يحمل رسالة إلى بنى البشر، مؤمنين وكفار، عليهم أن يقفوا على محتواها، وليستوعبوا معناها ليتحققوا من موعود الله ووحدانيته. والله أعلم.
      مازال هناك نظر فى الموضوع فيما يأتى بإذن الرحمن وهداه. والحمد لله رب العالمين الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله، جل فى علاه.
      مسك الختام، آيات الخلاق العليم:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
صدق الله العظيم
-------------------------------

تعليقات موضوعية:

رسالة الطير فى الفاتيكان /3 / الأستاذ الدكتور الغراب.

رسالة الطير فى الفاتيكان /3 / الأستاذ الدكتور الغراب.

By المنهاج | 4:24 PM EET, Tue December 02, 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
 
قوله تعالى:
فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَىٰ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * ﴿المائدة: ٣١﴾
الإمام الطبرى، رحمه الله، فى تفسيره "الجامع لأحكام القرآن":
< حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابـاً يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ"، قال: جاء غراب إلـى غراب ميت، فحثـي علـيه من التراب حتـى واراه، فقال الذي قتل أخاه: "يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ" ... الآية.>
واحدة: أن الغراب فى الأية الكريمة أدى مهمتين، البحث فى الأرض وتعليم كيفية مواراة السوءة. أى أنه باحث ومعلم، كأنا به أستاذ فى "حامعة الطير" يبحث ويعلم، فآتى لقبه عن جدارة العظة والعبرة فى الذكر الحكيم أنه "الأستاذ الدكتور الغراب". ربما كان ذلك إشارة إعجازية لما تكون عليه الجامعة الحديثة، أن يجتمع البحث والتعليم للعلماء كوظيفة متميزة.
      بالمثل فربما كانت هذه دلالة على أن هناك تقسيم للعمل فى مملكة الأغربة، مثلما هو الحال مع مملكة النحل، ملكة وشغالة وذكور وجنود تتولى الدفاع. أن هناك من هو على علم أكثر من الآخرين يتولى مسألة التعليم. فقد أثبتت الأبحاث أن بعض الغرابيب يفضلون نوعا معينا من الأدوات للتعامل مع الغذاء ومصادره، مثل نوعية "السنارة" أو الخطاف لإلتقاط الفضلات.
ثانية: أنه بحث فى الأرض، ولم يصرح عن ماذا يبحث؟، غائب أو محذوف تقديره عقليا. إجتمع غالبية المفسرين على أنه بحث عن غراب آخر ميتا، فحفر له حفرة فى الأرض وواراه التراب، أو هال عليه من التراب. ومن قال بأنه فعل ما فعله قابيل بأن بحث عن غراب آخر فقتله ثم دفنه، التعليم كاملا والتمثيل بيانيا، أكثر رجاحة من الأول فى نظرنا. لأن بحثه عن غراب ميت ليدفنه يستدعى المساءلة حيث عادة الأغربة دفن موتاهم. إن كان كذلك يكون معنى البحث فى الأرض أنه بحث ونبش عن غراب مدفون وآراه لقابيل، ولا يلزم معها أن يكون قد حفر حفرة جديدة، فقد رآه قابيل مقبورا، ويلزم معه أنه كان يراقب الطير والطبيعة متأملا فقال: "يَا وَيْلَتَىٰ". منه أن قوله تعالى: "لِيُرِيَهُ" فيه بلاغة لم ترصد، وهو الأرجح فى نظرنا. أيا كان الحال فهناك تقدير لضمير غائب فى النص وهو الذى قدره المفسرون كل حسب رؤياه، الشئ المبحوث عنه، ما يجعل الآية من المتشابهات على الإحتمال. وهى كذلك لتكرار الغراب ومواراة سوأة الأخ كل منهما مرتين، إشارة المثانى. والله أعلم.
ثالثة: أن الله بعث الغراب فى مهمة ربانية، مثله مثل الهدهد مع سليمان عليه السلام. "البعث" فى اللغة يأتى بمعنيين، الأول الإحياء بعد ممات كما فى قوله جلت قدرته:
* ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * (البقرة: 56)
الثانى كما فى قوله:
* كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ  * (البقرة: 213).
يطلق فى الذكر الحكيم على بعثة الرسل والأنبياء فى نص محكم. ولا ترى إستثناءا للبعث بهذا المعنى "المفعول به" إلا مع الغراب، ومع العذاب فى قوله القادر العادل:
* قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ *  (الأنعام: 65)
هنا أيضا محذوف تقديره أداة العذاب، مثل أن تكون طيرا أبابيل أو صاعقة من فوق أو زلزلة أو بركان من تحت الأرجل. دليل متشابه مثل السابق. ودليل المتشابه من طريق المجاز أن العذاب لا يبعث بالطبيعة إنما يوقع. الإستثناءان جاءا فى آيتين من المتشابهات. قرينة أو رباط سائغ فى التأويل وإن كان من البعيد، الإحتمال الأرجح فيه أن العذاب من فوق يكون من طريق الطير مثل الطير الأبابيل مع أصحاب الفيل. "يبعث" مع الغراب تفسر "يبعث" مع العذاب، أن الأول محكم الثانى ومرجعيته. هنا مثال لمحكم المنهاج، فقوله تعالى: "فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا"، نص محكم لغويا لا مجاز فيه، جملة كاملة من فعل وفاعل ومفعول به، أما قوله: "يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا"، فهو جملة كاملة أيضا فيها مجاز منشؤه التقدير، غائب تقديره من المحكم، فقاعدة القرآن يفسر بعضه بعضا. والله أعلم.
      كون الغراب مبعوثا مثل الرسل والأنبياء من بين أحياء الله فى الأرض والسماوات، فذلك يضعه فى مكانة متفردة، ليس من حيث صفاته التكوينية مثل الذكاء فحسب، إنما أيضا من حيث نوعية الرسالة التى يحملها فى بعثته. ومن هنا القيمة والمغزى لما قام به الغراب فى الفاتيكان مع النورس.
 
تعجب فى ذكر الله الغراب مفردا مرتين، ما هو إشارة للمثانى، وهى هنا ثنائية "الفرد والمجتمع". مثل ثنائية "الإختيار والجبر" أشير إليها فى الذكر الحكيم بعنصر أو طرف واحد هو الإختيار ولم يذكر الجبر فى القرآن. كأن الغراب لا يعلم البشر كيف يوارون سوءاتهم فقط، إنما أيضا كيف يعيشون فى ظلال هذه الثنائية، ما يستحق دراسة طبيعية منفصلة، يحضرنا من دلائلها أن الزوج له عشه المستقل مع زوجته لا يشاركهما أحد فيه، بينما تعيش الغرابيب فى مستعمرات تصل إلى الآلاف كما ذكر من قبل فى الجزء الأول. ما يؤيد ما سبق من أن هناك بين الغرابيب تقسيم للعمل، مثله مثل الإنتظام فى المؤسسات والأحوال المعيشية.
شرعة الغراب:
      كذلك يمكننا القول بأن للأغربة شريعة يلتزمون بها دليلها عش الزوجين، وأن الزوج لا يتزوج من غير زوجته إلا فى حال الموت أو العقم، إهمالها إحتضان البيض. هو عين منع تعدد الزوجات، معروف فى النصرانية وأسيئ فهمه فى الإسلام، قوله العليم الحكيم:
* وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا * ﴿النساء: ٣﴾
التعدد المباح مشروط بثلاث، اليتامى والعدل بين النساء وملك اليمين، تعد من الرخص فى الشريعة، أهل الشرعة أقدر على البيان. هى الرخص التى ميزت الإسلام عما قبله من شرائع فالتيسير على العباد فى حال الإضطرار، مثل الطلاق وإفطار المريض فى رمضان. معروف التحايل التاريخى بين المسيحيين فى الطلاق فيتركون كنيستهم إلى ثانية حتى يستطيعون الطلاق والزواج من أخرى، فجاء الإسلام بالطلاق ثلاثا تيسيرا على العباد. الغراب يطبق نفس الشرع، منع تعدد الزوجات إلا بشروط. ربما كان ذلك دليل على أن هناك من بين الغرابيب من هو مسلم وآخر كافر، دليله ما ذكره الإمام القرطبى، رحمه الله، فى تفسيره:
<بل جعل ذلك كله أجناساً مجنسة وأصنافاً مصنفة، تعرف كما تعرفون وتتصرّف فيما سخُرتْ له كما تتصرّفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبت كلّ ذلك من أعمالها في أمّ الكتاب....... حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ} يقول: الطير أمة، والإنس أمة، والجنّ أمة.>
الراجح أن الغرابيب السود هى المسلمة لقوله تعالى فى سورة فاطر (27): " وَغَرَابِيبُ سُودٌ"، وكان الغراب فى الفاتيكان أسودا، علما بأن هناك أنواع أخرى لها ألوان تختلف عن الأسود. والله أعلم. من دلائل شرعة الغراب أيضا، أن الغرابيب تعقد حلقات محاكمة، ومن يحكم عليه بالإعدام ينهالون عليه بالنقر إلى الموت والدفن، وسبحان الخلاق الحكيم.
      مجمل الآيات الكريمة تعنى أن الله وضع فى الغراب علامات وآيات بينات من الإعجاز لا تنفك عنه زمانا ومكانا، وربما خصه بذلك بعد أن خلق فيه من المخ ما يضعه على قمة الذكاء بين الطير والحيوان مجتمعة. وكأنه تعالى ألحق فيه النبوة، نبوة غير مقطوعة الزمن، ليست موقوفة على صاحبها بشخصه وإسمه، نبوة كامنة فى كل الغرابيب لا يجليها إلا الخالق الحكيم، بقدرته وأمره. من ثم حق له أن يكون "الأستاذ الدكتور الغراب".
الغراب فى الأساطير:
      إنه الغراب المخبر المنبئ بالموت فى الأساطير، ولا تكذيب، لأنه جاء فى الذكر الحكيم مع دفن الموتى أيضا. مما تورده الويكيبيديا عن الغراب الترميز له بنذير الموت عند الأيرلنديين والبريطانيين وشمال أوروبا وأستراليا. فى الهندوسية يرمز الغراب فى حضوره إلى نبأ أو فال، سئ أو حسن، بمعنى حامل الأخبار. من الناحية العلمية ليس مثل هذه الأساطير من قبيل الخرافة، فقد بنيت على تجربة ومشاهدة متكررة بحيث لا يصح معها توصيفها كأساطير، إنما كظاهرة تخضع للدراسة والبحث، وقد خضعت فى الماضى بعادة التأمل والإستقراء حتى أن الويكيبيديا تستخدم لفظ "الملاحظة" مع هذه الأسطورة. دليلنا العلمى هنا الآيات البينات. لكن الكاتب فى الويكيبيديا لا يذكر عن الغراب فى الأساطير الإسلامية إلاعدم الجزاء لمن يقتله:
< In Islam, crow is one of the five animals for which there is no blame on the one who kills them.[50] >
الكاتب بنى إستنتاجه على فهم خاطئ لما كتبه أحد المسلمين بالإنجليزية عن الأحاديث الخاصة بقتل الأحياء فى "الحرم المكى"، فربما كان بينهما تواطؤ، والله يعلم خائنة الأعين وبما تخفي الصدور. ركز الأخير على الأحاديث وحدها فى خلط بين الأمكنة والأزمنة، ولم يشر إلى الآيات البينات فى الذكر الحكيم التى تحرم قتل الصيد عند الإحرام، المقصود فيها على أصله الجزاء على القتل العمد لا الخطأ، مثل قوله تعالى:
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام * (المائدة: 95)
نحيل فى ذلك إلى أهل الشرعة، وعندهم الحجة أكثر بلاغة وفهما لصحيح مقاصد الشرع.
      فى الأساطير العربية، يرمز الغراب أيضا إلى الموت فى بعض الأحيان، وإلى الفأل السئ بنبأ غير سار فى أحيان أخرى، حتى أنهم يطلقون "غراب البين" على الشخص الذى إعتاد الإخبار بالسئ من الأمور.
لو إتفقنا مع هذه الأسطورة على أساس من إقتران الغراب بالموت فى الذكر الحكيم، فهل غراب الفاتيكان فأل سئ على بابا الكنيسة الكاثوليكية الأرجنتينى "فرانسيس Francis"، أو أنه فى رسالة ربانية إنباء بالموت؟ كثير من المعلقين على الحدث ركن إلى هذا الإستنتاج من زاوية دينية، وإن لم يقولوا بفأل الموت. الشاهد على ذلك أن نورسا آخر هاجم حمائم السلام للبابا السابق الألمانى "بنيديكت Benedict XVI" فى العام الماضى وفى نفس المناسبة ثم كانت إستقالته قبل الأوان. وعلم الغيب عند علام الغيوب جلت حكمته.
رسالتنا فى ذلك ليست من قبيل الأساطير أو التطير، إنما ماذا يقول الإعجاز فى الرسالة الربانية زمانا ومكانا، المناسبة والأسباب. شئ من التفاصيل فى إجتهاداتنا القادمة بإذنه تعالى. هو الهادى إلى صراطه المستقيم، نعم المولى ونعم النصير، جل فضله هو الأعلم.
      مسك الختام من الذكر الحكيم:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *

تعليقات موضوعية:

علم السيمياء.

علم السيمياء.

By المنهاج | 1:11 PM EET, Tue April 02, 2019

قال سبحانه وتعالى:

* لِلْفُقَرَ‌اءِ الَّذِينَ أُحْصِرُ‌وا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْ‌بًا فِي الْأَرْ‌ضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِ‌فُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ‌ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ * ﴿البقرة: ٢٧٣﴾

تفسير الرازى (مفاتيح الغيب):

الصفة الرابعة لهؤلاء الفقراء: قوله تعالى: { تعرفُهُم بِسِيمَـٰهُمْالسيما والسيميا العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من السمة التي هي العلامة، قلبت الواو إلى موضع العين قال الواحدي: وزنه يكون فعلاً، كما قالوا: له جاه عند الناس أي وجه، وقال قوم: السيما الارتفاع لأنها علامة وضعت للظهور، قال مجاهد {سِيمَـٰهُمْالتخشع والتواضع، قال الربيع والسدي: أثر الجهد من الفقر والحاجة وقال الضحاك صفرة ألوانهم من الجوع وقال ابن زيد رثاثة ثيابهم والجوع خفي وعندي أن كل ذلك فيه نظر لأن كل ما ذكروه علامات دالة على حصول الفقر وذلك يناقضه قوله {يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ} بل المراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعاً في قلوب الخلق، كل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم وذلك إدراكات روحانية، لا علات جسمانية، ألا ترى أن الأسد إذا مرّ هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة، وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية، فكذا هٰهنا، ومن هذا الباب آثار الخشوع في الصلاة،كما قال تعالى:

{سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ[الفتح: 29]

 وأيضاً ظهور آثار الفكر، روي أنهم كانوا يقومون الليل للتهجد ويحتطبون بالنهار للتعفف.>

___________________________

 

وقال جل شأنه:

* مُّحَمَّدٌ رَّ‌سُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ‌ رُ‌حَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَ‌اهُمْ رُ‌كَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِ‌ضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ‌ السُّجُودِ *  ﴿الفتح: ٢٩﴾

تفسير الرازى:

وقوله تعالى: {سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ} فيه وجهان أحدهما: أن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106]

 وقال تعالى:

نُورُهُمْ يَسْعَىٰ [التحريم: 8]

 وعلى هذا فنقول نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال إبراهيم عليه السلام:

إِنّى وَجَّهْتُ وجهي للذي فطر ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } [الأنعام: 79]

 ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه، فيتبين على وجهه النور منبسطاً، مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال، والله نور السمٰوات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار وثانيهما: أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان أحدهما: أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود والثاني: ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين ليلاً من الحسن نهاراً، وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب، وبين الساهر في الذكر والشكر.>

____________________________

وقال سبحانه وتعالى:

* يُعْرَ‌فُ الْمُجْرِ‌مُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ *  ﴿الرحمن: ٤١﴾

تفسير الطبرى (جامع البيان فى تفسير القرآن):

< وقوله: {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم الله بها من اسوداد الوجوه، وازرقاق العيون.

كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن الحسن، في قوله: {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} قال: يعرفون باسوداد الوجوه، وزُرقة العيون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة {يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ} قال: زرق العيون، سود الوجوه.>

__________________________

وقال جل علمه:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * (يونس: 26)

تفسير الطبرى:

يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌلا يغشى وجوههم كآبة ولا كسوف حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار وهو جمع قترة، ومنه قول الشاعر:

مُتَوَّجٌ برداءِ المُلْكِ يَتْبَعُهُ

   

مَوْجٌ تَرى فَوْقَهُ الرَّاياتِ والقَتْرَا

يعني بالقتر: الغبار. {وَلا ذِلَّةٌ}. ولا هوان. {أولَئِكَ أصْحَابُ الجَنَّةِ} يقول هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أهل الجنة وسكانها ومن هُمْ فيها خَالِدُون يقول هم فيها ماكثون أبداً لا تبيد فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} ما حدثنا محمد بن منصور الطوسى، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} قال: بعد نظرهم إلى ربهم.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج ومعلى بن أسد، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، بنحوه.

حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} قال: سواد الوجوه.>

______________

قول الإمام فخر الدين الرازى رحمه الله (543 - 606 هجرية) أن السيما أو السيميا تعنى العلامة هو تأسيس للعلم الحديث "السيميوطيقا أو السيمياء، بالإنجليزية Semiotics"، علم العلامات والإشارات الذى يختص باللغة، أى لغة، من قبل أن يصبح علما كما هو معروف الآن. يعرف أيضا فى علوم الحاسوب (الكمبيوتر) بالأيقونات Icons وهى اللغة العالمية على شبكة المعلومات Internet وبرامج الحاسوب. قيل أن علم السيمياء أصله عربى يرجع إلى جابر إبن حيان وكيميائه فحمل دلالة السحر، أو إبن خلدون بمعنى مختلف، لكنه لم يحمل وظيفة العلامات والإشارات كدلالة لغوية فى التواصل إلا حديثا على يد العالم دى سوسيرFerdinand de Saussure ، يتناوله الأدب العربى تحت مسمى السيميولوجى أو السيموطيقا. الغرب أطلق الإسم من اللفظ المذكور فى القرآن الكريم Semiotics من "سيماهم"، أما بحاثنا المتغربون أطلقوا عليه إشتقاق متعرب لا السيمياء الأصل العربى، عجب!.

االتأصيل فى ذلك أنه إعجاز علمى للقرآن الكريم واللسان المبين. كما ورد أعلاه ذكرت السيمياء أكثر من مرة دلالة على علامات تعرف بها الصفات، علامات تحمل المعانى فى طياتها، هى أيضا نوع من الدلالة اللغوية. دور الإمام الرازى رحمه الله هو الإفصاح عن هذا المعنى والـتأصيل للإعجاز العلمى الحديث. بل إن القرآن الكريم تعدى فى العلم العلامات المادية مثل الأيقونات أو علامة الصلاة على الجباه إلى العلامات المعنوية، ما ذكره الرازى من تخشع أوتواضع أوهيبة أوكآبة أوكسوف أوخشوع فى الصلاة، وأشار إليه بالعلامات الروحانية. ومنه قوله تعالى: "مِنَ التَّعَفُّفِ"، وقوله جل ذكره: "تعرفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ"، مجمل السيمات مادية ومعنوية.

من أصول السيمياء فى الذكر الحكيم قوله تعالى:

وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ*وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * ﴿النحل:5 - 16﴾

مضمون علم السيمياء فى الوقت الحاضر هو دراسة العلامات والإشارات كلغة تواصل بين البشر، له قواعده ومنهاهجه.

يجدر بالذكر أنه إذا جاءت الإشارة فى القرآن الكريم إلى علم من العلوم فهى تحتوى على أساس العلم لا التفصيل فيه، الأساس الذى لا يستقيم العلم إلا به، مثل ما سبق فى مقام آخر عن علم الإحصاء أشير إليه بالتكرار الذى لا يحصى فيه إحصاء بدونه. ومثل علم التاريخ الذى أسسه إبن خلدون فى "المقدمة" بناء على قوله جل علمه:

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ * (آل عمران: 140)

هنا كذلك عن علم السيمياء فهو علم العلامات ومنها الإشارات والأيقونات والحروف وما إلى ذلك. السيمياء فى الوجوه قصد بها علامات تعرف عن طريقها صفات صاحبها كما ذكر الإمام الرازى. تلك دلالة على العلم الذاخر فى الذكر الحكيم، ما لم يتوفر عليه التفسير والتأويل من قبل فى الإعجاز العلمى. والله أعلم. رحم الله علمائنا الأفاضل. نأمل أن تكون لنا بحوث فى هذا المجال تسبق ما توصل إليه العلم الغربى فى هذا الشأن،  لتمتد إلى المعنويات، مثلما تقول إذا كشر فقد أضجر، والله الهادى إلى سواء السبيل.

ومنه أن الآيات القرآنية بينة فى أن إنكشاف الوجه مطلوب للأسباب السالفة الذكر حتى ترى السيماء والعلامات، نوع من الشفافية فى الإسلام، بما يعنى أن النقاب يعد مكروها. فإن كان النقاب عادة وتقليد إجتماعى فلا ضير إن كانوا يرون فيه الحشمة والعفاف والترابط العائلى مبنية على خصوصية الزواج  ودرء الفتنة إن كان، ما هو من صفات الحجاب وما وضع له وما يكفله من سيماء الوجوه. وهناك عادة أو تقليد إجتماعى قريب من ذلك أن المرأة المحتشمة تخرج متحجبة وتسدل على وجهها "شرشف" أو "طرحة" شفافة مثلما تفعل العروس فى ليلة عرسها تتجمل به، ليس نقابا. هو مجرد تقليد إجتماعى وعلامة على المجتمع أنه مجتمع محافظ لا متبذل، ولم نسمع بأنه لباس إسلامى. إقحام العادات والتقاليد فى الدين وكأنها مشرعة ليس من صحيح الدين، هو من قبيل التزييف وباطل أصله، إلا ما ورد منه فى النقل.

ألم تر فى جماعات النفاق المتأسلمين يلبسون المرأة النقاب ثم يناقضون أنفسهم ويفتعلون علامة السجود، سيمياء الوجه، على الجبهة بالحك بقطعة من الطوب الأحمر، وكأن ما جاء فى الذكر الحكيم من عقائديات نزل للرجال فقط أو أن هناك تفرقة بين الرجال والنساء فى مجمل العبادات؟ أستغفر الله العظيم.

أن يوصم الإسلام بالنقاب فهذا ما لا يجرى وصحيح الدين الحنيف كما رأينا. إنه نفاق جماعات الظلام المتأسلمون، تشوه صورة الإسلام، إتخذوه إتباعا شكليا للسلف الصالح على الإسلام نفاقا وبهتانا، ووسيلة للتخفى من الأمن أو الرقيب على سيمياء الوجوه ليميز الخبيث من الطيب وإدراك آثار الإيمان أو الكفر وإنعكاسها على الوجوه بعلامات قدرها سبحانه جل شأنه فى آياته هدى للمتقين.


والله أعلم وبه الهداية والتوفيق والرشاد.

 

تعليقات موضوعية: