مناسبات:

فى ذكرى مولده عليه السلام: نداء الإعجاز فى عيسى إبن مريم.

فى ذكرى مولده عليه السلام: نداء الإعجاز فى عيسى إبن مريم.

بسم الله الرحمن الرحيم:
* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ  وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚقَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّـهَ  رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ*
صدق الله العظيم
 
      كان حديثنا فى مناسبة ميلاد عيسى بن مريم، عليه السلام، فى الأعوام الماضية عن تبيان مغزى المناسبة فى الإسلام من حيث التقويم وأهمية الشمس للحياة والعبادة والشكر على أنعم الله (مقالة: إشراق جديد وعام 2013م)، وفى مقالة تالية فى العام الماضى من حيث أن مناسبة ميلاد عيسى عليه السلام لا تعدو أن تكون عيدا للمسلمين مثلما هى عيدا للنصارى (2014 م، شمس جديد)، ثم اليوم نتحدث عن المعجزة فى عيسى بن مريم عليه السلام. وربما أعاننا الله بفضله ورعايته أن نسدد مقالات أخرى وشئ من التفصيل عن المنهاج مع عيسى عليه السلام، به تعالى نستعين ونستهدى.
      أشرقت الأرض بنور ربها على عام جديد 2023 م، جعله الله عام خير وسلام ومحبة بين المسلمين والنصارى واليهود، وسائر البشرية شرقا وغربا بإذنه الرؤوف الرحيم. تطلع علينا اليوم ذكرى ميلاد رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام، الرسول الذى إختلف عليه أهله بقدرما إختلف عليه غيرهم.
      إختلف عليه أهله عبر التاريخ من النصرانية الأصلية مع الحواريين الموحدين، حين إنتشرت فى أصولها الموحدة من فلسطين إلى أوروبا عبر الدردنيل، إلى النصرانية المحرفة بالتثليث والشرك بالله فى عصور الظلام الوسطى مع تسلط الكنيسة على الناس وجورها وظلمها وجرمها بإسم الرب، إلى عصر النهضة وعلماء أفاضل أثاروا وأناروا الأرض بالعلم مؤمنين بوحدانية الله نابذين للمسيحية، قى مقالتنا هى النصراينة المحرفة، ناطقين وصامتين، إلى عصر الفضاء والشبكة الإلكترونية والسلاح النووى ورئيس يعلن نفسه ربا كاثوليكيا بالعلم والقوة العظمى. تشيع المسيحيون بالتحريف إلى طوائف عدة بين كاثوليك وأرثوذوكس وبروتستانت ومارمون وبعض من الموحدين، إختلفوا على شرع الله بقدر ما فى المسيحية من تحريف، سواء على الشرع فى تحدده أو الوحى بذاته أو على بنوة الرسول وربوبيته، نستغفر الله ونتوب إليه. فى كل - على قدر علمنا بفضل من الله - لم يعطوا الرسول الكريم حقه من حيث أنه معجزة بذاته فيه وفى أمه عليهما السلام سويا آية للناس تدلل على وحدانية الله وقدرته فى الخلق والمصير.
      رسول إختلف عليه غير أهله حتى مع المسلمين، فمنهم من عادى المسيحية ومنهم من نصرها. لكن الأهم فى مقامنا الإعجاز فى الرسول عليه السلام الذى به حمل على كتفيه عبئ البرهان على الخالق الواحد الأحد ، كما يهمنا المنهاج الذى حملته رسالته الإنجيل مثلها مثل القرآن الكريم. لم يدرك الناس أن الله تعالى جلت قدرته بث فى الرسالات الثلاث منهاجه فى الأرض، موحدا للرسالات أكثر مما وحدتها الشرائع. الشرائع بضرورة التنزيل مصداقا لما بين يدى الرسل تباينت إطرادا يسرا ورحمة على الناس من رسالة ونبوة إلى رسالة ونبوة أخرى، مثل الصيام. إنما المنهاج واحد ثابت البنية فى الرسالات والنبوات مجتمعة، ليس من تباين بينها ولا إختلاف. الدلائل كثر فى الذكر الحكيم منها قوله الحكيم العليم فى عيسى إبن مريم عليه السلام:
* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ  وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚقَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّـهَ  رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * (مريم: 29 - 36)
كرر قوله تعالى: "جَعَلَنِي" مرتين متطابقتين تدليلا على المثانى، وجاءت الثالثة "يَجْعَلْنِي" على الجذر إشارة للمنهاج، وجاءت إشارة المنهاج تثنية ثلاثية بالتطابق فى "يَوْمَ"، بمعنى منهاج المثانى فيها مجتمعة فى وحدة سياقية منهاجية. "الجعل" جاء سابقا فى نفس السورة مع الشرعة والمنهاج، حيث دائما يسبق العام الخاص، قوله العزيز العليم:
* لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْ‌عَةً وَمِنْهَاجًا * (المائدة: 48)
دل الجعل الثلاثى هناك على الجعل هنا، دليلا على المنهاج مؤكدا فى رسالة عيسى عليه السلام الإنجيل. وفى قوله: "لِكُلٍّ" دليل بين على أن المنهاج مثله مثل الشرعة موحى به فى الرسالات الثلاث. الموضوع دسم وذاخر بالعلم وبالبرهان على أنه لا تفاوت فى المنهاج بين الرسالات. ربما كان الدليل على ذلك فى تكرار "يوم" ثلاث مرات، أنه لا تغير بين الرسالات تترى فى الزمن، وأنها دليل على وحدانية الله، رب المرسلين والبشر أجمعين.
فى الآيات الكريمة جاء التدليل على المثانى فى صفتها العامة بأنها المتقابلات فى قوله "وُلِدتُّ" و"أَمُوتُ". أن الإنجيل حمل بمهناج المثانى كما هو الحال مع القرآن الكريم، منهاج واحد بلا تبديل لكلمات الله فى الكون والحياة، الوحدانية والخلق. والله أعلم.
      لعظم الحديث عن المنهاج فى الرسالات الثلاث على أصولها بلا متسع له اليوم ولا فى مجلدات ولا فى عقود من الزمن ولا فى نظر علماء شتى، ففى هذا المقام مع عيسى إبن مريم، عليه السلام، بعد العجالة السابقة نركز بعض الشئ على برهان الخالق جلت قدرته على أنه الخالق، يخلق ما يشاء ويقدر، ويخلق ما لا يعلمه البشر وإن معاجزين.
      فى الذكر الحكيم يقول تعالى للناس أن خلقه لعيسى بن مريم مثل خلقه لآدم عليهما السلام، فيصم التثليث الذى به يقولون أن المسيح إبن الله، يصمه بالشرك والكفر. علامات ذلك نصا متكاثره لكنه تعالى آثر أن يكون نداءه لعيسى عليه السلام بالبنوة التى تثبت الخلق فلا يذكره مفردا إلا مسندا للأم ويناديه "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ" نفيا لأية أبوة، فقد خلقة الله مثلما خلق آدم الذى خلقه من تراب.
إذا كان من تشبيه وتمثيل فالمعلوم أنه لا يستتبع تطابقا بين المشبه والمشبه به، فإذا كان الله قد خلق آدم من تراب فليس خلق عيسى من تراب أيضا، إنما التمثيل من جهة البنوة ونفى الأبوة، لا الكيفية. قال الخلاق العليم:
* إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَ‌ابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * (آل عمران: 59)
لم يكن خلق عيسى من تراب إنما من رحم مريم الذى فيه الروح ساكنه، الفرق بين الحالتين فى التشبيه التمثيلى. حالة آدم لم تكن تسكن روحا فيما أتى منه، التراب، بينما عيسى كانت هناك روحا كائنة فى مريم. أما روح القدس والذى تمثل لها بشرا سويا هى قدرة الخالق على أن يخلق من المادة الحية ما ليس من طبيعة الأمور إعجازا. يمكن القول هنا بتحوير الجينات الوراثية لا بث الروح فيها حيث لا تفتقر. فإن إجتمع الأب والأم على الإنجاب كان الدور للجينات وتحويرها مع وجود الروح أصلا. فقدرة الله على خلق الحى من المادة الميتة ثابتة كما هى ثابتة فى البعث، هى قدرة أكبر من خلق الحى من الحى، حالة عيسى إبن مريم عليه السلام، وإن تشابها فى البنوة ونفى الأبوة الطبيعية.
      التمثيل من المتشابه يستلزم التأويل بدليل علمى أوعقلى أو نقلى. الإعجاز علميا هو فى تحوير الجينات الوراثية لا بث الروح. تأمل التشبيه ثلاثى الأبعاد بقوله "مَثَلَ" مرتين وبكاف التشبيه. فلو كان خلق عيسى مثل آدم من تراب لأكتفى بالقول: "عيسى عند الله مثل آدم". التشبيه الثلاثى الأبعاد يترتب عليه فروق ثلاث، فيوصلنا إلى الفارق الرئيسى بين الحالتين، آدم من مادة غير حية وعيسى من المادة الحية. الفارق الثانى هو أن مع آدم لم تكن أمومة ورحم، بينما كان ذلك مع عيسى. الفارق الثالث هو الروح القدس، مالم يرد له ذكر فى آدم. التشبيه ثلاثى الأبعاد يترتب عليه مبدئيا إشتراك فى ثلاث، أولها نفى الأبوة والبنوة لله، ثانيها إثبات الخلق للخلاق العليم، وثالثها إصطفاء النبوة لمن حمل الإعجاز من هذا الطريق تبيانا للإعجاز كرسالة لبنى البشر. والله أعلم.
 هنا ندرك مدى ما فى القرآن من علم طبيعى يعجز عنه العلماء المعاجزين بالعلم فى كل أوان ومكان، وفيه التحدى المتكرر، كما ندرك مدى علمية وكفاءة اللغة العربية اللسان المبين فى حمل المعانى العلمية بدقة تعجز عنها الأعجميات.
      إن ذكره الله مفردا سواء "عيسى" أو "المسيح" ألحقه بأمه مريم عليهما السلام، وإن جمعه تعالى مع غيره من الأنبياء والرسل، صلى الله عليهم وسلم، سماه بشخصه "عيسى" دون الأم. فى الأولى يقول الخالق البارئ المصور:
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ * (المائدة: 110)
من المفسرين والنحويين من قال بأن "إذ" حال أو ظرف، بمعنى أن الله تعالى يصف حال عيسى إبن مريم حيث بعثه رسولا وما عدة رسالته. تأمل تكرار قوله "إِذْ" سبع مرات فى آية واحدة، تخصيص له مغزاه فى التكرار. بخلاف الأولى الخاصة بالنداء، ثلاث منها "إِذْ" تناولت المعجزات والآيات التى أتى بها عيسى قومه، والتى أيده بها تعالى لا تنفك عن إرادة الله وإذنه. وكرر ثلاث مرات "إِذْ" لذكر ما أنعم الله به عليه فى الإعتقاد وتثبيت الرسول على إيمانه، الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ثم كف عنه بنى إسرائيل وجاءهم بالبينات. تكرار ثلاثى كرر مرتين، أى ثلاثيتين تشير مرة أخرى  للمنهاج ومثانيه، وبإعتبار التكرار سبع مرات فإشارة للسبع المثانى، ضمن ما أيد الله به رسوله فى الإنجيل، فى نظرنا هو الحكمة فى قوله: "وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ"، ما لم يستدل عليه أحد من قبل - على قدر علمنا وتقديرنا بعون الله - لا فى القرآن ولا فى الإنجيل ولا فى التوراة. إستدلالنا عليه جار بفضل الله وعونه وهداه فى الذكر الحكيم، وفيه جاءت الدلائل على تضمين الرسالتين السابقتين دون الحاجة لسبر أغوارهما، أهل الإنجيل والتوراة أهل لها. لكن من المهم لمن ينظر فيهما أن يتناول الرسالة بلغة النزول، لأن التراجم أو التحريف تطمس معالم المنهاج حيث يقطن غالبه فى المجاز والتكرار اللفظى، على خلاف الشريعة فى إحكام أدلتها وسلاسة ترجمة المحكم من القول. على نفس المنوال فإنك لا تستطيع الوقوف على معظم أدلة المنهاج فى تراجم القرآن. والله أعلم.
ثم بعدها ببضع آيات قال:
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * (المائدة: 116)
دليل المنهاج ومثانيه مرة أخرى فى تكرار "العلم" و"القول" على الجذر ثلاثا، أى ثلاثيتين، وتكرار "نفس" تثنية بالتطابق مع إلحاق الضمير الذى يدل على التقابل فى المثانى. النداء الأول جاء بالأنعم ودلائل الإعجاز والنبوة، ضمنها إعجاز الخلق بنسبته إلى أمه عليهما السلام، وأنه أيده بما هو منه وفيه أن يخلق من الطين طيرا، برهانا على خلقه هو نفسه. فإن كان النبى يؤمن الناس به على أنه يخلق من الطين طيرا حيا، ما يوحى بربوبته عند طوائف المسيحيين، فما بالنا بخالقه وخلاق الكون ومن فيه، يخلق ما يشاء من طين ومن تراب. فى النداء الثانى دلائل الإيمان بوحدانية الله، أنه لم يدعى قط الربوبية كما يدعى أهل المسيحية فى عقيدة تثليثهم. ذكر النداء بهذا المنطوق مرتين فقط إشارة للمثانى، أن المثانى من جهة هى من أركان الإيمان بالله واحد أحد، ومن جهة ثانية أنها سنة الله فى الكون أيد بها أنبياءه ورسله، ومن ثالثة قدرة الله فى الخلق على المثانى كما هو ميزان الأفلاك السماوية، ومن رابعة أن المثانى مبثوثة فى الإنجيل. هى برهان على خلق الله الذى ليس به من تفاوت ولا إختلال بالمثانى، كما أن النداء لعيسى بإبن مريم مرة ثانية توكيد على أن خلقه منسوب للإله القادر البارئ المصور، ليس من أبوة ومن ثم تنفى الشرك بالتثليث والقول بأن عيسى إبن الله.
      الحواريون المؤمنون بوحدانية الله نادوا نبيهم عليه السلام بالمثل بنسبته إلى أمه، إيمانا بإعجاز الله فى خلقه، لا صاحبة له ولا ولد، يخلق ما شاء كيف يشاء، فقال تعالى على لسانهم:
إِذْ قَالَ الْحَوَارِ‌يُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْ‌يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَ‌بُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِ‌يدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ اللَّـهُمَّ رَ‌بَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِ‌نَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْ‌زُقْنَا وَأَنتَ  خَيْرُ‌ الرَّ‌ازِقِينَ * قَالَ اللَّـهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ‌ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ * (المائدة: 112 - 115)
فى قصة المائدة جاء النداء وإجابته فى سياق واحد فيه ينسب عيسى إلى أمه مريم مرتين، تدليل المثانى. وفى حال أن سماه بالمسيح مفردا ينسبه أيضا إلى أمه:
*  لَّقَدْ كَفَرَ‌ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْ‌يَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا إِنْ أَرَ‌ادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْ‌يَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْ‌ضِ جَمِيعًا وَلِلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ * (المائدة: 17)
تدليل المثانى مرة أخرى. دليل تأكيد ما ذهبنا إليه فى ذكره تعالى مريم بنسبة البنوة إلى الأب، قوله:
* وَمَرْ‌يَمَ ابْنَتَ عِمْرَ‌انَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْ‌جَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّ‌وحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَ‌بِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ * (التحريم: 12)
     أهل الأصول يقولون بالمفهوم والمفهوم المخالف فى إستنباط الأحكام، وهنا المفهوم المخالف لإثبات المفهوم. أن عيسى دون البشر أجمعين نسبت البنوة إلى أمه بلا أب بشرى. جدير بالذكر أن ذكر مريم جاء مفردا دون نسبة الأبوة على مدار الذكر الحكيم إلا فى هذا الموضع توكيدا لما ذهبنا إليه، وبالله التوفيق هو الأعلم.
فى موضع آخر ذكر إبنى آدم ونسبتهما إلى الأب لكن دون ذكر لإسميهما، قوله العليم الحكيم:
 * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّ‌بَا قُرْ‌بَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ‌ * (المائدة: 27)
المعنى نسبة البنوة إلى الأب منذ أبينا آدم عليه السلام. عدا ذلك لم تنسب البنوة لأحد مما جاء ذكره فى الذكر الحكيم. أما قوله تعالى:
*  وَلَمَّا رَ‌جَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ‌ رَ‌بِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَ‌أْسِ أَخِيهِ يَجُرُّ‌هُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * (الأعراف: 150)
 كررت مرتين على مدار الذكر الحكيم، الثانية فى قوله جل شأنه:
* قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَ‌أْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّ‌قْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ وَلَمْ تَرْ‌قُبْ قَوْلِي * (طه: 94)
المغزى منها يضاف إلى غيرها من الدلائل البينة التى تدلل على أن رسالة موسى عليه السلام التوراة حملت بمنهاج المثانى أيضا مثل الإنجيل والقرآن. قال فيها المفسرون لم نسب هارون فى ندائه بنوة أخيه موسى بالأم لا الأب؟ قيل المقصود من البنوة هو الإستعطاف برحم الأم ، أنهما من رحم واحدة، حتى من المعربين من قال أن "إبن أم" إسم واحد نداءا نسبا لا تسمية وإثبات بنوة. الإمام الطبرى رحمه الله:
<وقال بعض نـحويـي الكوفة: قـيـل: يا ابن أمَّ ويا ابن عمّ، فنصب كما ينصب الـمعرب فـي بعض الـحالات، فـيقال: يا حسرتا، يا ويـلتا، قال: فكأنهم قالوا: يا أماه ويا عماه ولـم يقولوا ذلك فـي أخ، ولو قـيـل ذلك لكان صوابـاً. قال: والذين خفضوا ذلك فإنه كثر فـي كلامهم حتـى حذفوا الـياء. قال: ولا تكاد العرب تـحذف الـياء إلا من الاسم الـمنادى يضيفه الـمنادِي إلـى نفسه، إلا قولهم: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ وذلك أنهما يكثر استعمالهما فـي كلامهم، فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الـياء، فقالوا: يا ابن أبـي، ويا ابن أختـي وأخي، ويا ابن خالتـي، ويا ابن خالـي.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إذا فُتـحت الـميـم من «ابن أمَّ»، فمراد به الندبة: يا ابن أماه، وكذلك من ابن عمّ فإذا كُسرت، فمراد به الإضافة، ثم حذفت الـياء التـي هي كناية اسم الـمخِبر عن نفسه. وكأن بعض من أنكر نسبته كسر ذلك إذا  كسر، ككسر الزاي من خازِ بـازِ، لأن خازِ بـازِ لا يعرف الثانـي إلا بـالأوّل ولا الأوّل إلا بـالثانـي، فصار كالأصوات. وحُكي عن يونس النـحوي تأنـيث أمّ وتأنـيث عمّ، وقال: لا يجعل اسماً واحداً إلا مع ابن الـمذكر. قالوا: وأما اللغة الـجيدة والقـياس الصحيح فلغة من قال: «يا ابن أمي» بإثبـات الـياء، كما قال أبو زَبـيد:
يا بْنَ أُمِّي ويا شُقَـيِّقَ نَفْسِي *** أنْتَ خَـلَّفْتَنِـي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
وكما قال الآخر:
يا بْنَ أُمِّي وَلَوْ شَهِدْتُكَ إذْ تَدْ *** عُو تَـمِيـماً وأنْتَ غيرُ مُـجَابِ
وإنـما أثبت هؤلاء الـياء فـي الأم لأنها غير مناداة، وإنـما الـمنادي هو الابن دونها، وإنـما تسقط العرب الـياء من الـمنادى إذا أضافته إلـى نفسها، لا إذا أضافته إلـى غير نفسها، كما قد بـينا. وقـيـل: إن هارون إنـما قال لـموسى علـيه السلام: «يا ابن أمّ»، ولـم يقل: «يا ابن أبـي»، وهما لأب واحد وأم واحدة، استعطافـاً له علـى نفسه برحِم الأم.>

       المقصود إذن بنسبة البنوة فى النداء والتسمية على مدار الذكر الحكيم هو إثبات الإعجاز فى خلق عيسى عليه السلام. منه أن اليهود عندما ينسبون الأبناء للأم فهم يفترون على الله ويقترفون إثما فى حقه تعالى، فضلا عما يتضمنه ذلك من الشك فى الأبوة وما يستتبعه من إنحرافات إجتماعية. يثبت ذلك قول الغفور الرحيم:
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚوَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * (الأحزاب: 5)
فلا يصح نسبة البنوة لغير الأب، فيه القول عن الأنساب متروك لأصحاب العلم، والله أعلم.
      فى النوع الثانى من الذكر، ذكره الله مستقلا عن الأمومة إذا جمعه مع غيره من الأنبياء والرسل فى أكثر من موضع فى الذكر الحكيم، مثل قوله تبارك أحسن الخالقين:
* قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّ‌بِّهِمْ لَا نُفَرِّ‌قُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * (البقرة: 136)
فى ذكره تعالى للأنبياء والرسل لم ينسب بنوة أحدهم إلى الوالدين والوالدة بالأخص إلا "عيسى بن مريم" وأمه "مريم إبنت عمران" لما فى ذلك من إثبات الإعجاز والخلق للخالق، فهما سويا آية من آيات الله حيث قال:
*  وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ * (المؤمنون: 50)
      حتى فى نداء الغائب مفردا نسبه تعالى إلى أمه بلا أبوة بشرية نفيا وإستنكارا فى كل مكان لما هى عليه المسيحية المحرفة أنه إبن الله، وبرهانا فى كل مكان على إعجاز الله فى الخلق، خلق عيسى مثل خلق آدم، مثل الإعجاز الذى أيد به تعالى نبيه عيسى بن مريم فيخلق من الطين طيرا إنما بإذن الله. ما يعتقدونه من نسبة الأبوة لله، تعالى عما يصفون، يستتبع أن الأحياء والأرض والسماوات والبكتيريا أولاد وبنات الله وهم يؤمنون بأن الله خلقها، وكل ما خلق كانت بنوته لله إذ لم تثبت أبوة، ما أكفرهم؟!
       فكيف يؤمنون بقدرة النبى ولا يؤمنون بقدرة خالق النبى؟ فيها مسألة كلامية عند من يقولون بالقياس فى الإستدلال على الغائب بالشاهد. شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يقول "بقياس الأولى"، إذا كان المخلوق يخلق من الطين أحياء بإذن ربه، فالأولى خالق المخلوق بقدرة يخلق من التراب ومن الطين أحياء وما يشاء. نحن لا نقول بالقياس إنما البرهان على أن قدرة المخلوق من قدرة الخالق، ليس بالضروة فى الفعل ذاته إنما من حيث المقدرة. إن كان فى مقدور عيسى أن يخلق من الطين طيرا فهى مقدرة حباه الله بها، وضعها فيه خلقا وتكوينا، فكانت قدرة الخالق أعظم، وهب بعض منها لمخلوقه لحكمة هى التأييد لرسوله ولإثبات قدرته جل شأنه فى الخلق. لم يهبها لمخلوق آخر وإلا إنتفت النبوة وإختلف النظر ودخلنا فى التعميمات والإشتراك. أصحاب الكلام يضمنون ذلك فى صفات الله، فنقول أنه تعالى قادر بمقدرة مطلقة بصرف النظر عن صفات المخلوق. فإن توقفت صفات الخالق على صفات المخلوق لم يكن ربا، ما يتوهمونه فى القياس، فباطل كل قياس وتشبيه، تعالى عما يصفون.
لذلك فقد عقب جل شأنه بأن ما آتى به عيسى من معجزات الخلق موقوفة على إذن الله، تأييدا له وتثبيتا، لا أنه وضع صفاته في مخلوقه فيقولون بربوبية المخلوق ويكفرون، قوله الحق:
* وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي *
فيها نفى الربوبية عن عيسى إذا إستقل عمله المعجز فى الخلق عن إرادة الله وإذنه. ذلك أن بين الحياة والموت روح هى من أمر الله، ليست فى مقدور بشر وإن تحدى الكفار الله فى الخلق معاجزين بالعلم إلى قيام الساعة، قوله القاهر فوق عباده:
* وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّ‌وحِ قُلِ الرُّ‌وحُ مِنْ أَمْرِ‌ رَ‌بِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا * (الإسراء: 85)
الأرجح فى التأويل أن تكرارها يعنى الروح عند بثها وعند قبضها، كلاهما من أمر الله. هى الروح القائمة وراء التحدى على الربوبية فى الخلق وقوله: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"، ينسحب على كل زمان، لم ولن يصلوا بالعلم الطبيعى إلى محاف الروح. أكدها الخلاق العليم بقوله:
* يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِ‌بَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ *(الحج: 73)
المقصد فى تعقيبه جل شأنه على إعجاز عيسى فى الخلق الذى آتى به قومه بقوله: "بِإِذْنِي"، مقصوده بث الروح، ما ليس فى إستطاعة بشر جزما بقوله: "لَن"، وقد ضعف الطالب بعلمه إلى يوم يبعثون، والمطلوب فى دنيئة نسبته إلى خلق السماوات والأرض ومن عليها من أحياء. جمع الضعف فى الحالتين يستتبع ضعف العلم عندهم بنفس النسبة.
أجمل سبحانه بأن ما من نبى يأتى بآية من الإعجاز المؤيدة له إلا بإذن الله، قال الخبير العليم:
* وَلَقَدْ أَرْ‌سَلْنَا رُ‌سُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّ‌يَّةً وَمَا كَانَ لِرَ‌سُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * (الرعد: 38)
     هناك إستثناءات من قاعدة النداء هذه،  لو بحثت فيها ستجدها فى آيات من المتشابهات، إما متشابه المجاز، نحوا أو بلاغة، وإما متشابه التكرار، ولا ينبنى على ظاهر المتشابه قاعدة أو حكم. إحداها قوله العزيز الحكيم:
* وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * (الأحزاب: 7).
نسبه تعالى إلى أمه مع الجمع والإضافة إلى غيره من الأنبياء، وفى الآية الكريمة متشابه التكرار على المثانى، فيها تفصيل.
الإستثناء تحت الحالة الأولى من الذكر فى قوله البارئ المصور: 

*إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ* (آل عمران: 55)
لم ينسبه تعالى مع الإفراد إلى أمه. الرفع هنا فيه من متشابه الإعتقاد أو الكلاميات، حيث يدل ظاهر القول على الجسمية ومن ثم الجهة فالتشبيه للذات الإلهية. الباقيتان من الإستثناء جاءتا أيضا فى آل عمران (52، 59 سبقت أعلاه) مع قصة النبى، عليه السلام، وفيهما متشابه التكرار والمجاز كليهما. منه كان الإستثناء وتضمينه المتشابه دليلا قائما بذاته يدل على إثبات صحة القاعدة. والله أعلم.
      وسبحانه جل شأنه، تعالى عما يشركون الذى قال:
* ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْ‌يَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُ‌ونَ * (مريم: 34)
      مسك الختام كلمات الحكيم العليم:
* قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ *
صدق الله العظيم
كل عام وأنتم بخير وسؤدد وسلام بإذنه الخلاق العليم.
-----------------------------
الإنشاء : [Minhageat.com]