منهاج:

منهاج:

منهاج:

    المرجعية:

   قوله تعالى: ** لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا **

  الموضوعات:

"إشراق المنهاج" وفلسفة الجدل

"إشراق المنهاج" وفلسفة الجدل

 

كتاب "إشراق المنهاج"

الجزء الأول: الجدل بين العقل والنقل.

large_اشراق صورة الفارابى.jpg

رسالة الكتاب هي إعلاء كلمة منهاج الله، “الكشف” عنه وتأصيله؛ قضيته هي قضية المتشابه الذى استغلق على الجمع، تطاحنوا عليه إلى حد الكفر والتكفير، تشتتوا شيعاً وتخلفوا وفقدوا أسباب الاستخلاف في الأرض منذ الانحسار في الأندلس، ما يعني وعورة البحث فيه وقصور أدوات الاستدلال والتأويل لاستكناه مقاصد تنزيل الرسالة الخاتمة شرعة ومنهاجاً. تمفصلت الأولى الشرعة بالبحث، أما الثاني المنهاج فما زال مطموراً ومعه الإعجاز الإلهي يترى في الزمن دون مقتضى بعث الرسل. طرائق الاستدلال المعروفة عجزت عن الكشف عن المنهاج، ولا سبيل إليه بالوضعيات، إشراق المنهاج يلتزم أدوات استدلال وتأويل نقلية لم يقف عليها أحد من قبل، بمعنى تدبّر القرآن بمعاول قرآنية، تفتح أبواب المنهاج وتستنير دروبه الوعرة، من منظور أن متشابه القرآن في تعقيده وتشابك أكنته يماثل ما خلق الباري سبحانه من أحياء وكواكب ونجوم وبنان الإنسان، الإعجاز الأعظم للقرآن الذي حير العقول منذ الوحي، فقد عاد القرآن مهجوراً.

قضيتان أساسيتان في مكتشف المنهاج هما السبع المثاني والجدل. الأولى هي بنية المنهاج وأركانه. أما الثاني فمتمركز في عصب الأولى. السبع المثاني كما يعرّفها الكتاب هي كليات الوجود، لا ترقى إليها فلسفة وضعية في الإلمام وإحكام ما بين أيدي البشر في شتى مجالات الفكر. يتناول الكتاب الثلاث مكتشفات بصورة مجملة وافية البيان، من المأمول التفصيل عليها فيما يلي من أجزاء الكتاب الذي تتخلّله قضايا أخرى في مقدمتها قضية الاستدلال والتأويل، وقضية الاتفاق بين العقل والنقل، المقابلة بينهما لبسط المصطلح. كذلك الإعجاز العلمي والإسهامات الإسلامية في النهضة الأوروبية، ضمنها فلسفة الجدل والتنوير. في تطبيق المثاني تنفرد أفكار نصر أبو زيد بالمثل السوء الذي عليه الشرح والتبيين. الكتاب بدسمه وجديته لا مثيل له على ساحة الفكر، زاخر بالأطروحات العلمية.

------------------------------------------------------------------

 

العقل والنقل بين إبن تيمية وإبن رشد.

العقل والنقل بين إبن تيمية وإبن رشد.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى كتابه "درء تعارض النقل والعقل":
< والسلف والأئمة الذين ذموا وبدعوا الكلام فى الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعانى التى يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ فى أصول الدين، فى دلائله وفى مسائله، نفيا وإثباتا. فأما إذا عرفت المعانى الصحيحة الثابته بالكتاب والسنة وعبر عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ ليتبين ما وافق الحق من معانى هؤلاء وما خالفه، فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما قال تعالى:
* كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً۬ وَٲحِدَةً۬ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ‌ۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَـٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ‌ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦ‌ۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٲطٍ۬ مُّسۡتَقِيمٍ *(البقرة: 213)
وهو مثل الحكم بين سائر الأمم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعانى التى يعبرون عنها بوضعهم وعرفهم، وذلك يحتاج إلى معرفة معانى الكتاب والسنة، ومعرفة معانى هؤلاء بألفاظهم، ثم إعتبار هذه المعانى بهذه المعانى ليظهر الموافق والمخالف.>
      هدف كتابه كما فى عنوانه ألا تعارض بين العقل والنقل، مازالت أرضا خصبة للمعارك الفكرية بين الفرق الإسلامية. شبه المجمع عليه عند أهل السنة والجماعة تقديم العقل على النقل. فى ذلك قالوا لو تقدم النقل على العقل لكان قدحا فى النقل لأنه لا يعرف إلا بالعقل. لكن إبن تيمية فى كتابه هذا قال أن الأمر ليس بإطلاق. حجته هى أن النقل ليس بحاجة للعقل لإثبات إن كان حقا من عدمه لأنه حق فى ذاته، إعتقد فيه الناس بعقولهم أم لا. فى كتابنا "المنهاج بين العقل والنقل"، إتفقنا معه فى هذه المسألة، ثم حددنا أن ذلك فى الشرع، ما جاء فىي النص قاطعا، فالنقل مقدم على العقل، وما عداه يعود للقاعدة الأصلية وهى أصل من أصول الدين، تقديم العقل على النقل. فيها تفصيل حتى نضع المسببات على أسبابها، لأن هذا القطع من جهة لا يعرف إلا من طريق العقل إن كان من تدبر، ومن جهة ثانية من طريق العقل الإقرار به والإيمان بالمشرع به على ما هو ظاهرا وباطنا، إنما المقصود التسليم والكف عن التأويل، مناط العقل. قول الراسخين فى العلم: "ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ۬ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَا‌ۗ"، جاءت مع إحتمال إسناد العلم بالمتشابه لله وحده مع واو الإبتداء، الظاهر على ما هو عليه بلا تأويل من حيث أنه إيمان. ومن حيث أن الأصل هو تقديم العقل فلزم النظر فى المتشابه، عندها تقديم العقل واجب مثبت وجوبه فى النقل. يندرج فى هذه المسألة العلوم الكونية وتأويلات الإعجاز العلمى وعلوم الآخرين، نقصد ما ليس من النقل. ففيها العقل مقدم للحكم بين سائر الأمم بما جاء فى الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة، ما قال به شيخ الإسلام بانيا على معطيات الذكر الحكيم، وفى ذلك مقالتنا.
      مما قاله القاضى ابو الوليد ابن رشد، رحمه الله، فى هذه المسألة فى كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من إتصال":
< ونحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان، وخالفه ظاهر الشرع، أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربى. وهذه القضية لا يشك فيها مسلم، ولا يرتاب بها مؤمن، وما أعظم إزدياد اليقين بها عند من زاول هذا المعنى وجربه، وقصد هذا المقصد من الجمع بين المعقول والمنقول.
      بل نقول: إنه ما من منطوق به فى الشرع، مخالف بظاهره لما أدى إليه البرهان إلا إذا أعتبر وتصفحت سائر أجزائه، وجد فى ألفاظ الشرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل، أو يقارب أن يشهد، ولهذا المعنى أجمع المسلمون على أنه ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل، وإختلفوا فى المأول منها من غير المأول، فالأشعريون، مثلا، يتأولون آية الإستواء، وحديث النزول، والحنابلة تحمل ذلك على ظاهره>
       زاوية إبن رشد هى الإستدلال أما زاوية إبن تيمية فهى البرهان والإثبات. أنت بحاجة للعقل للإستدلال ولو كان المستدل عليه مقطوعا به، وفى ذلك إبن رشد.بتقديم العقل على النقل، لا مراء فى ذلك لأنه مطلب التدبر. والنقل أو الشرع، كتابا وسنة،  ليس بحاجة إلى العقل لإثبات أنه حق من حيث أنه إيمان، تطلب فى الإستدلال التأويل أو لا، أخطأت فى استدلالك أو لا، آمن الناس به أم لم، وفى ذلك إبن تيمية ومعتقد كل المسلمين، تقديم النقل على العقل. فليس ثمة خلاف بين العالمين، وإن قاسى الإسلام من جراء إختلاف المسلمين على هذه المسألة. اللبس والخلاف يجئ بإعتبار من لا يؤمن، فى الحجاج والبرهان والجدل مع المخالفين للشرع، الدحض لحجج الآخر، الهم الأول للمتكلمين مع القول فى الذات الإلهية. لكن الآية إنقلبت فإرتد الخلاف على الإسلام. لم تجنى كثير ثمرة فى جانب الخصوم، وعاد الكلام معركة بين المسلمين بينما اساس المعركة مع الآخر، ضمنها الحكم بين سائر الأمم بالكتاب، مقالة إبن تيمية.  فى هذه الحالة من الحجاج، قبل الأخر، أنت تحتاج إلى العقل لإثبات أن الشرع هو الحق، ولا ترى من يخالف أو يكابر فى ذلك أيضا. حتى الخصوم يعلمون أننا نعتقد فيه الحق بديهيا وإلا لما كان إيمان وإعتقاد. لكن أيما توجهت لا تعدم خلافا منشؤه الخلط بين المناطات الثلاثة، الإستدلال والبرهان والحجاج. وعلى جل الصفحات المبينة سيقال لك من لا يعتقد فى أن الشرع حق فى ذاته - سواء قدمت العقل أو النقل - فهو كافر بالضرورة. دلائل الشرع فى كل ذلك بينة لا شبهة فيها ولا مكابرة.
 
يقول الحكيم العليم:
 
* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * (السجدة: 3)
 
كرر قوله: "الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ" فى غير موضع، وفى صيغة أخرى قوله: "مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ"، أنه حق فى ذاته من حيث الإيمان بالظاهر بتقديم النقل، ومن حيث الإستدلال بتقديم العقل لتكشف ما به من حق، فى ذلك إبن رشد، ومن حيث البرهان بتقديم العقل ليبرهن على أنه الحق، وللحكم به بين سائر الأمم، فى ذلك إبن تيمية، تشكك فيه الناس بالعقل أم لا، آمنوا به بالعقل أم لا. بالحق فيه النذير والحجاج مع الآخر لعلهم يهتدون. قدم النقل فى أنه حق بذاته، وقدم  العفل فى النذير والدعوة إلى الدين الحق، الحجاج مع الآخر. والله أعلم.
-----------------------------
 
الإنشاء: [Minhageat.com]