طلع البدر علينا وتصدع الجبل.
طلع البدر علينا وتصدع الجبل.
بسم الله الرحمن الرحيم:
* لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *
صدق الله العظيم
فى ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله هذا العام 1436ه، وكل عام وأنتم بخير أمة الإسلام، ننظر فى معاناة الوحى وإصطفاء النبوة، تفسيرا وتأويلا للآية الكريمة. فيما قاله المفسرون رحمهم الله:
الطبرى:
< يقول جلّ ثناؤه: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، وهو حجر، لرأيته يا محمد خاشعاً يقول: متذللاً، متصدعاً من خشية الله على قساوته، حذراً من أن لا يؤدّي حقّ الله المفترض عليه في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم وهو بحقه مستخفٌ، وعنه، عما فيه من العِبَر والذكر، مُعْرض، كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وَقْراً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: {لَوْ أنْزَلْنا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لرأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدّعاً مِن خَشْيَةِ اللَّهِ}... إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، قال: يقول: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله عز وجل الناس إذا نزل عليهم القرآن، أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، قال:
{ كذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَال للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لَوْ أنْزَلْنا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل لرأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدّعاً مِن خَشْيَةِ اللَّهِ }... الآية، يعذر الله الجبل الأصمّ، ولم يعذر شقيّ ابن آدم، هل رأيتم أحداً قطّ تصدّعت جوانحه من خشية الله؟.
{ وَتِلكَ الأمْثالُ نَضْرُبها للنَّاسِ }
يقول تعالى ذكره: وهذه الأشياء نشبهها للناس، وذلك تعريفه جلّ ثناؤه إياهم أن الجبال أشدّ تعظيماً لحقه منهم مع قساوتها وصلابتها.
وقوله: { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }، يقول: يضرب الله لهم هذه الأمثال ليتفكروا فيها، فينيبوا، وينقادوا للحق>
القرطبى:
< حث على تأمّل مواعظ القرآن، وبيَّن أنه لا عذر في ترك التدبُّر؛ فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعةً متصدّعةً؛ أي متشقِّقةً من خشية الله. والخاشع: الذليل. والمتصدع: المتشقق. وقيل: «خِاشِعاً» لله بما كلّفه من طاعته. {مُّتَصَدِّعاً} من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه. وقيل: هو على وجه المثل للكفار.
قوله تعالى:
{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ }
أي إنه لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدّع لوعيده؛ وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده، ولا ترهبون من وعيده! وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي لو انزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، وتصدع من نزوله عليه؛ وقد أنزلناه عليك وثبَّتْناك له؛ فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبّته لما لا تثبت له الجبال. وقيل: إنه خطاب للأمة، وأن الله تعالى لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية الله. والانسان أقل قوةً وأكثر ثباتاً؛ فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى؛ لأنه موعود بالثواب، ومزجور بالعقاب.>
الشوكانى:
< لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار، وبيّن عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم، وأخبر عن جلالته، وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب، وترقّ له الأفئدة، فقال:
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ }
أي: من شأنه، وعظمته، وجودة ألفاظه، وقوّة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض لرأيته مع كونه في غاية القسوة، وشدّة الصلابة، وضخامة الجرم خاشعاً متصدعاً، أي: متشققاً من خشية الله سبحانه، حذراً من عقابه، وخوفاً من أن لا يؤدي ما يجب عليه من تعظيم كلام الله، وهذا تمثيل وتخييل يقتضي علوّ شأن القرآن وقوّة تأثيره في القلوب، ويدلّ على هذا قوله:
{ وَتِلْكَ ٱلأمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
فيما يجب عليهم التفكر فيه؛ ليتعظوا بالمواعظ، وينزجروا بالزواجر، وفيه توبيخ، وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن، ولا اتعظوا بمواعظه، ولا انزجروا بزواجره، والخاشع: الذليل المتواضع. وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك، وثبتناك له، وقوّيناك عليه، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي.>
مبدئية التفسيرعلى ظاهر القول أنها موعظة للكفار مبنية على صفات القرآن كما قالوا: "لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه"، "لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدّع لوعيده"، "شأنه، وعظمته، وجودة ألفاظه، وقوّة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب" ...
من حيث أن خشوع الجبل وتصدعه مثل يضرب به، فهذا يعنى متشابها يلزمه التأويل، وتأويله قاربه المفسرون فى الشطر الثانى مما قالوه: "وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك، وثبتناك له، وقوّيناك عليه، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي."
ضرب الله الأمثال كى يتفكر الناس، قوله: "لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ". فإن كان ذلك مطلقا إلا أن المخصوص به هو التفكر فى هذا المثل، كيف تخشع الجبال وتتصدع، فلا يسوغ التفسير على الظاهر مع مطلوب التفكر والآية الكريمة من المتشابهات، ما قاله الطبرى: "ليتفكروا فيها، فينيبوا، وينقادوا للحق". الحقيقة في تأويل الآية الكريمة - والله أعلم - هى أنها عن الوحى وأثره على النبى صلى الله عليه وسلم، الوحى كيف ينزل على الأنبياء والرسل. أنه ظاهرة غير طبيعية لا تطيقها وتعجز عنها الجبال كناية عن شدة الأثر والمعاناة، حباهم بها سبحانه وتعالى، خاصة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وتسليمه. تصوير ذلك الخشوع وذلك التصدع فى أحاديث أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها وأرضاها، عن الوحى:
* حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".
قالت عائشة رضي الله عنها:"ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".
** حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال:
"اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ؟، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ؟، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:
* اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم *
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال:
"زملوني زملوني"
فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر:
"لقد خشيت على نفسي"
فقالت خديجة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق" ......
قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه:
"بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني".
فأنزل الله تعالى: *يا أيها المدثر قم فأنذر* إلى قوله: *والرجز فاهجر*، فحمي الوحي. وتتابع تابعه عبد الله بن يوسف وأبو صالح وتابعه هلال بن رداد عن الزهري وقال يونس ومعمر بوادره> ا.ه.
الطبرى:
< يقول جلّ ثناؤه: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل، وهو حجر، لرأيته يا محمد خاشعاً يقول: متذللاً، متصدعاً من خشية الله على قساوته، حذراً من أن لا يؤدّي حقّ الله المفترض عليه في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم وهو بحقه مستخفٌ، وعنه، عما فيه من العِبَر والذكر، مُعْرض، كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وَقْراً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: {لَوْ أنْزَلْنا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لرأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدّعاً مِن خَشْيَةِ اللَّهِ}... إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، قال: يقول: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله عز وجل الناس إذا نزل عليهم القرآن، أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، قال:
{ كذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَال للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لَوْ أنْزَلْنا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَل لرأيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدّعاً مِن خَشْيَةِ اللَّهِ }... الآية، يعذر الله الجبل الأصمّ، ولم يعذر شقيّ ابن آدم، هل رأيتم أحداً قطّ تصدّعت جوانحه من خشية الله؟.
{ وَتِلكَ الأمْثالُ نَضْرُبها للنَّاسِ }
يقول تعالى ذكره: وهذه الأشياء نشبهها للناس، وذلك تعريفه جلّ ثناؤه إياهم أن الجبال أشدّ تعظيماً لحقه منهم مع قساوتها وصلابتها.
وقوله: { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }، يقول: يضرب الله لهم هذه الأمثال ليتفكروا فيها، فينيبوا، وينقادوا للحق>
القرطبى:
< حث على تأمّل مواعظ القرآن، وبيَّن أنه لا عذر في ترك التدبُّر؛ فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعةً متصدّعةً؛ أي متشقِّقةً من خشية الله. والخاشع: الذليل. والمتصدع: المتشقق. وقيل: «خِاشِعاً» لله بما كلّفه من طاعته. {مُّتَصَدِّعاً} من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه. وقيل: هو على وجه المثل للكفار.
قوله تعالى:
{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ }
أي إنه لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدّع لوعيده؛ وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده، ولا ترهبون من وعيده! وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي لو انزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، وتصدع من نزوله عليه؛ وقد أنزلناه عليك وثبَّتْناك له؛ فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبّته لما لا تثبت له الجبال. وقيل: إنه خطاب للأمة، وأن الله تعالى لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية الله. والانسان أقل قوةً وأكثر ثباتاً؛ فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى؛ لأنه موعود بالثواب، ومزجور بالعقاب.>
الشوكانى:
< لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة وأهل النار، وبيّن عدم استوائهم في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه الكريم، وأخبر عن جلالته، وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب، وترقّ له الأفئدة، فقال:
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ }
أي: من شأنه، وعظمته، وجودة ألفاظه، وقوّة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض لرأيته مع كونه في غاية القسوة، وشدّة الصلابة، وضخامة الجرم خاشعاً متصدعاً، أي: متشققاً من خشية الله سبحانه، حذراً من عقابه، وخوفاً من أن لا يؤدي ما يجب عليه من تعظيم كلام الله، وهذا تمثيل وتخييل يقتضي علوّ شأن القرآن وقوّة تأثيره في القلوب، ويدلّ على هذا قوله:
{ وَتِلْكَ ٱلأمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
فيما يجب عليهم التفكر فيه؛ ليتعظوا بالمواعظ، وينزجروا بالزواجر، وفيه توبيخ، وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن، ولا اتعظوا بمواعظه، ولا انزجروا بزواجره، والخاشع: الذليل المتواضع. وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك، وثبتناك له، وقوّيناك عليه، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي.>
مبدئية التفسيرعلى ظاهر القول أنها موعظة للكفار مبنية على صفات القرآن كما قالوا: "لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه"، "لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدّع لوعيده"، "شأنه، وعظمته، وجودة ألفاظه، وقوّة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب" ...
من حيث أن خشوع الجبل وتصدعه مثل يضرب به، فهذا يعنى متشابها يلزمه التأويل، وتأويله قاربه المفسرون فى الشطر الثانى مما قالوه: "وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت، ولتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك، وثبتناك له، وقوّيناك عليه، فيكون على هذا من باب الامتنان على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه ثبته لما لا تثبت له الجبال الرواسي."
ضرب الله الأمثال كى يتفكر الناس، قوله: "لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ". فإن كان ذلك مطلقا إلا أن المخصوص به هو التفكر فى هذا المثل، كيف تخشع الجبال وتتصدع، فلا يسوغ التفسير على الظاهر مع مطلوب التفكر والآية الكريمة من المتشابهات، ما قاله الطبرى: "ليتفكروا فيها، فينيبوا، وينقادوا للحق". الحقيقة في تأويل الآية الكريمة - والله أعلم - هى أنها عن الوحى وأثره على النبى صلى الله عليه وسلم، الوحى كيف ينزل على الأنبياء والرسل. أنه ظاهرة غير طبيعية لا تطيقها وتعجز عنها الجبال كناية عن شدة الأثر والمعاناة، حباهم بها سبحانه وتعالى، خاصة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وتسليمه. تصوير ذلك الخشوع وذلك التصدع فى أحاديث أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها وأرضاها، عن الوحى:
* حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".
قالت عائشة رضي الله عنها:"ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".
** حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال:
"اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ؟، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ؟، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:
* اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم *
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال:
"زملوني زملوني"
فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر:
"لقد خشيت على نفسي"
فقالت خديجة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق" ......
قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه:
"بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني".
فأنزل الله تعالى: *يا أيها المدثر قم فأنذر* إلى قوله: *والرجز فاهجر*، فحمي الوحي. وتتابع تابعه عبد الله بن يوسف وأبو صالح وتابعه هلال بن رداد عن الزهري وقال يونس ومعمر بوادره> ا.ه.
المصدر: موقع "الإسلام".وفيه تخريج الحديثين.
--------------------------------------------------------
قاموس اللغة يؤيد - بعون الله - ما ذهبنا إليه من تأويل. يقولون أن حرف "لو" حرف إمتناع الإمتناع، ينفى المثبوت ويثبت المنفى. وعليه فنزول القرآن على جبل ممتنع بالطبيعة، يترتب عليه إمتناع الأثر، إنتفاء السبب عن المسبب به. البديل والحقيقة أنه نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، من ثم كان الحديث عن ظاهرة الوحى وأثرها على النبى، أن ما كان يحدث له عند الوحى تتصدع له الجبال وقد ثبته الله لطاقته وإحتماله، كان يبلغ منه الجهد ويتفصد عرقا ويسأل أن يزملوه، ما ورد فى أحاديث أم المؤمنين رضى الله عنها.
دليل ثانى فى قوله الحكيم العليم:
* يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * (المزمل: 1 - 5)
جاء فى حديث عائشة رضى الله عنها مسألة التزميل، فكان يطلب صلى الله عليه وسلم أن يزملوه بعد لقائه بجبريل عليه السلام. متى زملوه يناديه ربه أن يعد نفسه بقيام الليل للقاء القادم بإذنه تعالى، حيث سيلقى عليه الوحى ثقيلا تتصدع عنه الجبال الرواسى. اتفق المفسرون على أن القول الثقيل هو القرآن الكريم. ربما - والله أعلم - كان التزميل فى الآية مترتب على إلقاء القول الثقيل، لأن هنا متشابه دليله التنقيص والتزييد ما لا يجتمع فى تكليف. يؤيد ذلك الترتيب الطلب بأن يرتل صلى عليه وسلم ما نزل عليه من القول الثقيل بعد قيام الليل. الحادث هو إلقاء القول أولا فالتزميل فالقيام فالترتيل. أهل السيرة عندهم القول الفصل.
الترتيب الذى تطرقنا إليه ليس من الأهواء، نستغفره ونتوب إليه، إنما هو قاعدة تأويلية منشؤها الذكر الحكيم. قال الحكيم الخبير:
* وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * (الكهف: 83 - 5)
كرر قوله تعالى: "فأَتْبَعَ سَبَبًا" ثلاث مرات فى سياق واحد الحديث عن قصة ذى القرنين، آيات 85، 89، 92، ما يعنى أنها من المنهاج وطرق تأويله. أن تستدل على تسلسل الأحداث وترتيبها بتتابع السبب والمسبب عنه. ألا ترى أنها قرنت مرة بحرف الفاء التى تفيد التتابع والسببية والتعقيب فى اللغة، وقرنت مرتين بحرف "ثم" الذى يفيد التتابع أيضا ولكن مع التراخى كما يقول أهل اللغة؟
فإن لم يكن التتابع فى النص القرآنى يرتب المسبب على سببه، علمنا أن هنا متشابه يلزمه التأويل، وتأويله يشمل التسلسل والتتابع المنطقى ثم الوقوف على مضمونه الحقيقى، لأن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما دأب عليه علماء الإسلام ومفكروه فى درء التعارض فى النقل.
الأمثلة كثيرة منها حالتنا هذه، تسبيب التزميل على الإلقاء، وترتيب القيام بعد التزميل، ثم الترتيل بعد القيام، وقد جاء الإلقاء متأخرا فى الآيات الكريمة وهو الأول بالأسباب.
فى قصة ذى القرنين مثال ثان، فقد بدئ بمغرب الشمس ثم مطلعها، والطبيعى هو العكس، للتدليل على مقام قوله: "فَأَتْبَعَ سَبَبًا"، من أنه مطلب التأويل. أن التسلسل هنا لا يتبع ترتيب الأحداث منطقيا أو طبيعيا، فدل ذلك على أن هنا متشابه يلزمه التأويل. ليس التأويل فقط بالنظر فى التسلسل المنطقى إنما المقصد فى المضمون علم، كقوله فى مسرى القصة: "فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" من الإعجاز العلمى.
ومثله قوله تعالى:
*اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* (القمر: 1)
لا يعرف إقتراب الساعة إلا بعد أن ينشق القمر، وقد عكس الترتيب فى الآية. فإعلام الناس بإقتراب الساعة دليله إنشقاق القمر، وهو التراتب الصحيح بعون الله. كما أسلفنا أن متشابه التتابع تحته علم جم، فكيف ينشق القمر ولماذا؟ هذا هو الإعجاز والتحدى المطروح للذين يسعون معاجزين فى آيات الله فى الأرض والسماء. إجابته تندرج فى البرهان على الخلاق العليم. لو إقتصر التأويل على التتابع فى حد ذاته لكان الثمن القليل، نستغفره ونتوب إليه.
دليل آخر فى قوله تعالى:
* وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * (الأعراف: 4)
دليل ثانى فى قوله الحكيم العليم:
* يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * (المزمل: 1 - 5)
جاء فى حديث عائشة رضى الله عنها مسألة التزميل، فكان يطلب صلى الله عليه وسلم أن يزملوه بعد لقائه بجبريل عليه السلام. متى زملوه يناديه ربه أن يعد نفسه بقيام الليل للقاء القادم بإذنه تعالى، حيث سيلقى عليه الوحى ثقيلا تتصدع عنه الجبال الرواسى. اتفق المفسرون على أن القول الثقيل هو القرآن الكريم. ربما - والله أعلم - كان التزميل فى الآية مترتب على إلقاء القول الثقيل، لأن هنا متشابه دليله التنقيص والتزييد ما لا يجتمع فى تكليف. يؤيد ذلك الترتيب الطلب بأن يرتل صلى عليه وسلم ما نزل عليه من القول الثقيل بعد قيام الليل. الحادث هو إلقاء القول أولا فالتزميل فالقيام فالترتيل. أهل السيرة عندهم القول الفصل.
الترتيب الذى تطرقنا إليه ليس من الأهواء، نستغفره ونتوب إليه، إنما هو قاعدة تأويلية منشؤها الذكر الحكيم. قال الحكيم الخبير:
* وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * (الكهف: 83 - 5)
كرر قوله تعالى: "فأَتْبَعَ سَبَبًا" ثلاث مرات فى سياق واحد الحديث عن قصة ذى القرنين، آيات 85، 89، 92، ما يعنى أنها من المنهاج وطرق تأويله. أن تستدل على تسلسل الأحداث وترتيبها بتتابع السبب والمسبب عنه. ألا ترى أنها قرنت مرة بحرف الفاء التى تفيد التتابع والسببية والتعقيب فى اللغة، وقرنت مرتين بحرف "ثم" الذى يفيد التتابع أيضا ولكن مع التراخى كما يقول أهل اللغة؟
فإن لم يكن التتابع فى النص القرآنى يرتب المسبب على سببه، علمنا أن هنا متشابه يلزمه التأويل، وتأويله يشمل التسلسل والتتابع المنطقى ثم الوقوف على مضمونه الحقيقى، لأن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما دأب عليه علماء الإسلام ومفكروه فى درء التعارض فى النقل.
الأمثلة كثيرة منها حالتنا هذه، تسبيب التزميل على الإلقاء، وترتيب القيام بعد التزميل، ثم الترتيل بعد القيام، وقد جاء الإلقاء متأخرا فى الآيات الكريمة وهو الأول بالأسباب.
فى قصة ذى القرنين مثال ثان، فقد بدئ بمغرب الشمس ثم مطلعها، والطبيعى هو العكس، للتدليل على مقام قوله: "فَأَتْبَعَ سَبَبًا"، من أنه مطلب التأويل. أن التسلسل هنا لا يتبع ترتيب الأحداث منطقيا أو طبيعيا، فدل ذلك على أن هنا متشابه يلزمه التأويل. ليس التأويل فقط بالنظر فى التسلسل المنطقى إنما المقصد فى المضمون علم، كقوله فى مسرى القصة: "فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" من الإعجاز العلمى.
ومثله قوله تعالى:
*اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* (القمر: 1)
لا يعرف إقتراب الساعة إلا بعد أن ينشق القمر، وقد عكس الترتيب فى الآية. فإعلام الناس بإقتراب الساعة دليله إنشقاق القمر، وهو التراتب الصحيح بعون الله. كما أسلفنا أن متشابه التتابع تحته علم جم، فكيف ينشق القمر ولماذا؟ هذا هو الإعجاز والتحدى المطروح للذين يسعون معاجزين فى آيات الله فى الأرض والسماء. إجابته تندرج فى البرهان على الخلاق العليم. لو إقتصر التأويل على التتابع فى حد ذاته لكان الثمن القليل، نستغفره ونتوب إليه.
دليل آخر فى قوله تعالى:
* وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * (الأعراف: 4)
الهلاك مترتب على البأس الذى يجئ أولا فى تراتب السببية، وقد جاء متأخرا فى الآية الكريمة. قيل فى التفسير أن المراد من قوله "أَهْلَكْنَاهَا" هو "إن أردنا إهلاكها" لدفع التعارض فى التراتب، وهو ضعيف لأنه إستبدال الدليل وتحريفه عن مواضعه، فقد قال جل شأنه فى موضع آخر يعنى محكمه: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا"، فليس المراد كما يقولون، إنما يلزمه التأويل على قاعدة تراتب الأسباب لا إستبدال الدليل. من ذلك تثبت قاعدة التأويل القرآنية فى قوله: "فَأَتْبَعَ سَبَبًا". والقرآن يفسر بعضه بعضا لا يفتقر إلى وضعيات.
الإقرار بها فى قول الحكيم العليم:
* إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ * (البقرة: 166 - 7)
تقرير لا شبهة فيه من تقطع الأسباب فى تتابع الأحداث. كررت "تبرأ" و"إتبعوا" ثلاثا على الجذر، دليل منهاج المثانى. فإرتبط تتابع السبب هناك فى سورة التأويل الكهف بتقطع الأسباب هنا فى البقرة، كلاهما فى الموضوع تتابع الأحداث بأسبابها. فإن تقطعت الأسباب فى تراتب الأحداث لزم التأويل، وكان المضمون المرجوح من المنهاج ومثانيه موضوعا. منه ندرك مدى مكانة العقل ومطلبه فى التدبر.محكمه كثير أيضا فى الذكر الحكيم، مثل قوله جل شأنه:
* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * (الزمر: 21)
كرر حرف التتابع ثلاثا، ما يشير إلى منهاجية وما يستلزم النظر فى الأسباب علميا كل على حدة بالتخصيص، مطلوب قوله: "لِأُولِي الْأَلْبَابِ"، البرهان على قدرته العلى القدير. المقرر فيها التتابع على أسبابه محكما، ليس متقطعا كما فى حالتنا التى هى بذلك من المتشابهات. ذكرنا من قبل أن كل تكرار من المتشابه مطلوبه التأويل، فكون حرف التتابع يستلزم التأويل بالأسباب، ولأن فيه تكرار، لا يتعارض مع كون التراتب محكما. والله أعلم به التوفيق.
وعليه فما جاء فى أحاديث عائشة رضى الله عنها يتماشى مع التأويل الذى نسعى إليه. منه أنه تعالى قال: "لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا"، وفى حديثها أن محمدا عليه الصلاة والسلام عندما بصر ملاك السماء جبريل عليه السلام أصابه الرعب وطلب أن يزملوه، الإبصار فى حديثها يفسر بالوقائع الرؤيا فى الآية الكريمة.
من نافلة القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيه الخشوع لله بطبيعته حتى أوصله الوحى إلى الرعب والفزع عندما يلتقى وملاك السماء. لكنه من جهة تكوين النبوة كان رابط الجأش بإيمان لا يتزعزع بما حباه الله به وما كلفه به من تبليغ الرسالة. من جهة ثانية أن الله ثبته لتلقى الرسالة كما قال المفسرون. فى ذلك قوله الرؤوف الرحيم:
* وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ * (آل عمران: 144)
جمهور المفسرين حمل المعنى على فوات الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما فات الرسل من قبله، لا تحتاج فى نظرنا إلى تقرير فتأكيد بعدها فى قوله تعالى: "أَفَإِن مَّاتَ"...الآية، إنما فيها إستثناء قوله: "إِلَّا رَسُولٌ" فتمييز لمحمد صلى الله عليه وسلم الذى خلت الرسل من قبله عن مثله. أحجم المفسرون عن الوقوف عند الإستثناء لأنه جلت حكمته قال:
* آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * (البقرة: 285)
لا تقرقة بينهم عليهم الصلاة والسلام فى التوحيد وفحوى الرسالة وطاعة الله، فوقع الفارق أو التمييز فى نزول القرآن. أنه لم يكن هناك من قبل رسول مثله فى تلقى الوحى، كما كان هناك بينهم فارق فى المعجزات المؤيدة. جاء الإستثناء أيضا مع عيسى بن مريم عليه السلام، قول الخالق البارئ:
* مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ * (المائدة: 57)
أن لم يشبهه أحد من الرسل قبله، ليس فى الرسالة والتوحيد وطاعة الله، إنما النبوة ودعائمها، ضمنها وأولها أنه إعجاز الخالق بلا أبوة، لذا قرنه بالأم صديقه. فوقع الإستثناء عن الرسل من قبله فى الخلق إبتداءا. ثم التأكيد الثالث فى الإستثناء جاء عاما فى خطاب الخلاق العليم لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:
* وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ * (يوسف: 109)
الإستثناء منبعه المنشأ من أهل القرى أولا ثم الفضل بالوحى ثانيا، بمعنى الإصطفاء. إستثناء لهم من بين المؤمنين بالله وتفضيلا. ينسحب الإستثناء على كل الأنبياء، لا يستثنى منهم متلقى الخطاب صلى الله عليه وسلم، مفروغ منه بالوحى، مقصده الإستثناء فى النبوة. كرر قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم" ثلاث مرات على مدار الذكر الحكيم، فإسناد للمنهاج الذى عليه الأنبياء جميعا، مثله مثل العقيدة سواء بسواء.
يقول العزيز الحكيم:
* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ * (البقرة: 253)
بينما لم يفرق بينهم هناك فى فحوى الرسالات والتوحيد، فضل بعضهم على بعض هنا درجات.
* إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ * (البقرة: 166 - 7)
تقرير لا شبهة فيه من تقطع الأسباب فى تتابع الأحداث. كررت "تبرأ" و"إتبعوا" ثلاثا على الجذر، دليل منهاج المثانى. فإرتبط تتابع السبب هناك فى سورة التأويل الكهف بتقطع الأسباب هنا فى البقرة، كلاهما فى الموضوع تتابع الأحداث بأسبابها. فإن تقطعت الأسباب فى تراتب الأحداث لزم التأويل، وكان المضمون المرجوح من المنهاج ومثانيه موضوعا. منه ندرك مدى مكانة العقل ومطلبه فى التدبر.محكمه كثير أيضا فى الذكر الحكيم، مثل قوله جل شأنه:
* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * (الزمر: 21)
كرر حرف التتابع ثلاثا، ما يشير إلى منهاجية وما يستلزم النظر فى الأسباب علميا كل على حدة بالتخصيص، مطلوب قوله: "لِأُولِي الْأَلْبَابِ"، البرهان على قدرته العلى القدير. المقرر فيها التتابع على أسبابه محكما، ليس متقطعا كما فى حالتنا التى هى بذلك من المتشابهات. ذكرنا من قبل أن كل تكرار من المتشابه مطلوبه التأويل، فكون حرف التتابع يستلزم التأويل بالأسباب، ولأن فيه تكرار، لا يتعارض مع كون التراتب محكما. والله أعلم به التوفيق.
وعليه فما جاء فى أحاديث عائشة رضى الله عنها يتماشى مع التأويل الذى نسعى إليه. منه أنه تعالى قال: "لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا"، وفى حديثها أن محمدا عليه الصلاة والسلام عندما بصر ملاك السماء جبريل عليه السلام أصابه الرعب وطلب أن يزملوه، الإبصار فى حديثها يفسر بالوقائع الرؤيا فى الآية الكريمة.
من نافلة القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فيه الخشوع لله بطبيعته حتى أوصله الوحى إلى الرعب والفزع عندما يلتقى وملاك السماء. لكنه من جهة تكوين النبوة كان رابط الجأش بإيمان لا يتزعزع بما حباه الله به وما كلفه به من تبليغ الرسالة. من جهة ثانية أن الله ثبته لتلقى الرسالة كما قال المفسرون. فى ذلك قوله الرؤوف الرحيم:
* وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ * (آل عمران: 144)
جمهور المفسرين حمل المعنى على فوات الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما فات الرسل من قبله، لا تحتاج فى نظرنا إلى تقرير فتأكيد بعدها فى قوله تعالى: "أَفَإِن مَّاتَ"...الآية، إنما فيها إستثناء قوله: "إِلَّا رَسُولٌ" فتمييز لمحمد صلى الله عليه وسلم الذى خلت الرسل من قبله عن مثله. أحجم المفسرون عن الوقوف عند الإستثناء لأنه جلت حكمته قال:
* آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * (البقرة: 285)
لا تقرقة بينهم عليهم الصلاة والسلام فى التوحيد وفحوى الرسالة وطاعة الله، فوقع الفارق أو التمييز فى نزول القرآن. أنه لم يكن هناك من قبل رسول مثله فى تلقى الوحى، كما كان هناك بينهم فارق فى المعجزات المؤيدة. جاء الإستثناء أيضا مع عيسى بن مريم عليه السلام، قول الخالق البارئ:
* مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ * (المائدة: 57)
أن لم يشبهه أحد من الرسل قبله، ليس فى الرسالة والتوحيد وطاعة الله، إنما النبوة ودعائمها، ضمنها وأولها أنه إعجاز الخالق بلا أبوة، لذا قرنه بالأم صديقه. فوقع الإستثناء عن الرسل من قبله فى الخلق إبتداءا. ثم التأكيد الثالث فى الإستثناء جاء عاما فى خطاب الخلاق العليم لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:
* وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ * (يوسف: 109)
الإستثناء منبعه المنشأ من أهل القرى أولا ثم الفضل بالوحى ثانيا، بمعنى الإصطفاء. إستثناء لهم من بين المؤمنين بالله وتفضيلا. ينسحب الإستثناء على كل الأنبياء، لا يستثنى منهم متلقى الخطاب صلى الله عليه وسلم، مفروغ منه بالوحى، مقصده الإستثناء فى النبوة. كرر قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم" ثلاث مرات على مدار الذكر الحكيم، فإسناد للمنهاج الذى عليه الأنبياء جميعا، مثله مثل العقيدة سواء بسواء.
يقول العزيز الحكيم:
* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ * (البقرة: 253)
بينما لم يفرق بينهم هناك فى فحوى الرسالات والتوحيد، فضل بعضهم على بعض هنا درجات.
التفضيل بالبينات والدرجات فيها، وفى المقومات الشخصية للنبوة، لا من حيث هو رسول أو نبى. مثل أن موسى عليه السلام كلمه الله. ثنى المقصود فحدد مناط التفضيل وفى ماذا الدرجات فضرب مثلا ثانيا بالبينات المعجزات المؤيده لعيسى بن مريم عليه السلام ومنها الروح القدس. منه أن لا فارق من حيث الرسالة وفحواها ومقاصدها بين الأنبياء والرسل، إنما الفارق فى النبوة ودعائمها، ثابت دلائله فى الذكر الحكيم لا يحتاج إلى كثير بيان على ما راينا. فإبراهيم إستعصاه الله على النار دون غيره، ويوسف علمه الله التأويل دون غيره، وسليمان سخر له الله الريح دون غيره، وموسى كلم الله دون غيره، وعيسى كان يحيى الموتى بإذن الله دون غيره، ومحمد أسرى به الله ورأى الله دون غيره، عليهم الصلاة والسلام. المقصد أنه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله لم يعانى ويقاسى أحد من قبله ما عاناه وقاساه مع نزول القرآن، بل لا يصبر على شدائد وحى القرآن أحد مثله، لم يتصدع به ولم يصدع عنه، وإن تصدع الجبل به كناية عن شدائده.
لقد أوحى جل فضله إلى أنبيائه، كما أوحى إلى أم موسى وإلى مريم وإلى النحل، لكن الوحى بالقرآن مع محمد عليه الصلاة والسلام طابع وكيفية مختلفة، أن كان مع ملاك السماء جبريل عليه السلام وجها لوجه، فيتمثل له بشرا حتى كان يضمه إليه ويقرئه القرآن، ما تحدثت به ونقلت عنه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها. يقارب ذلك أن تمثل بشرا سويا لمريم الصديقة، والتشبيه التمثيلى ليس بالتطابق كما هو معروف فى اللغة، ولو تطابق لكان كفرا. ما يدخلنا فى حجاج الوحى وطبيعته وكيفيته، لا يتسع له المقام.
فى المعنى مما سبق خاتمية الرسالة، وما يفضى بنا إلى إصطفاء النبوة موضوع مقالتنا التالية فى المقام بإذنه تعالى هو نعم المولى ونعم المستعان.
والله أعلم.
كل عام وأنتم وأمة الإسلام بخير وسلام على هدى من الله وإقتداءا برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فى المعنى مما سبق خاتمية الرسالة، وما يفضى بنا إلى إصطفاء النبوة موضوع مقالتنا التالية فى المقام بإذنه تعالى هو نعم المولى ونعم المستعان.
والله أعلم.
كل عام وأنتم وأمة الإسلام بخير وسلام على هدى من الله وإقتداءا برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
-----------------------------
- 277 views